يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِهِمَا حِينَ خَرَجَا يَسْتَبِقَانِ إِلَى الْبَابِ، يُوسُفُ هَارِبٌ، وَالْمَرْأَةُ تَطْلُبُهُ لِيَرْجِعَ إِلَى الْبَيْتِ، فَلَحِقَتْهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، فَأَمْسَكَتْ بِقَمِيصِهِ [مِنْ وَرَائِهِ] (١) فَقَدَّته (٢) قَدًّا فَظِيعًا، يُقَالُ: إِنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ، وَاسْتَمَرَّ يُوسُفُ هَارِبًا ذَاهِبًا، وَهِيَ فِي إِثْرِهِ، فَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا -وَهُوَ زَوْجُهَا -عِنْدَ الْبَابِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِمَّا هِيَ فِيهِ بِمَكْرِهَا وَكَيْدِهَا، وَقَالَتْ لِزَوْجِهَا مُتَنَصِّلَةً وَقَاذِفَةً يُوسُفَ بَدَائَهَا: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ أَيْ: (٣) فَاحِشَةً، ﴿إِلا أَنْ يُسْجَنَ﴾ أَيْ: يُحْبَسَ، ﴿أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أَيْ: يُضْرَبَ ضَرْبًا شَدِيدًا مُوجِعًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ انْتَصَرَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِالْحَقِّ، وَتَبْرَّأَ مِمَّا رَمَتْهُ بِهِ مِنَ الْخِيَانَةِ، وَقَالَ بَارًّا صَادِقًا (٤) ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ وَذَكَرَ أَنَّهَا اتَّبَعَتْهُ تَجْذِبُهُ إِلَيْهَا حَتَّى قَدَّتْ قَمِيصَهُ، ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾ أَيْ: مِنْ قُدَّامِهِ، ﴿فَصَدَقَتْ﴾ أَيْ: فِي قَوْلِهَا إِنَّهُ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا، لِأَنَّهُ يَكُونُ لَمَّا دَعَاهَا وَأَبَتْ عَلَيْهِ دَفَعَتْهُ فِي صَدْرِهِ، فَقَدَّتْ قَمِيصَهُ، فَيَصِحُّ مَا قَالَتْ: ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ وَذَلِكَ يَكُونُ كَمَا وَقَعَ لَمَّا هَرَبَ مِنْهَا، وَتَطَلَّبَتْهُ أَمْسَكَتْ بِقَمِيصِهِ مِنْ وَرَائِهِ لِتَرُدَّهُ إِلَيْهَا، فَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ وَرَائِهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّاهِدِ: هَلْ هُوَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ، عَلَى قَوْلَيْنِ لِعُلَمَاءِ السَّلَفِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ:
أَخْبَرْنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ قَالَ: ذُو لِحْيَةٍ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ مِنْ خَاصَّةِ الْمَلِكِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّهُ كَانَ رَجُلًا.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالسُّدِّيُّ: كَانَ ابْنَ عَمِّهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ مِنْ خَاصَّةِ الْمَلِكِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ زُلَيْخَا كَانَتْ بِنْتَ أُخْتِ الْمَلِكِ الرَّيَّانِ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ قَالَ: كَانَ صَبِيًّا فِي الْمَهْدِ. وَكَذَا رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهِلَالِ بْنِ يَسَاف، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزاحم: أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا فِي الدَّارِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ -أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي

(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "فقدت".
(٣) في ت، أ: "تعني".
(٤) في ت: "صادقا بارا".


الصفحة التالية
Icon