قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ" (١).
رِوَايَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرَّ بْنِ حُبَيْش، قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ يحدث، عن لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: "فَانْطَلَقْنَا (٢) حَتَّى أَتَيْنَا (٣) بَيْتَ الْمَقْدِسِ". فَلَمْ يَدْخُلَاهُ. قَالَ: قُلْتُ: بَلْ دَخَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ وَصَلَّى فِيهِ. قَالَ: مَا اسْمُكَ يَا أَصْلَعُ؟ فَإِنِّي أَعْرِفُ وَجْهَكَ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْش. قَالَ: فَمَا عِلْمُكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ لَيْلَتَئِذٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: الْقُرْآنُ يُخْبِرُنِي بِذَلِكَ. قَالَ: مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فَلَجَ (٤)، اقْرَأْ. قَالَ: فَقُلْتُ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى﴾ قَالَ: يَا أَصْلَعُ، هَلْ تَجِدُ "صَلَّى فِيهِ"؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: وَاللَّهِ مَا صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ، وَلَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِيهِ، كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَاللَّهِ مَا زَايَلَا الْبُرَاقَ حَتَّى فُتِحَتْ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَرَأَيَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَوَعْدَ الْآخِرَةِ أَجْمَعَ، ثُمَّ عَادَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا. قَالَ: ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. قَالَ: وَتَحَدَّثُوا (٥) أَنَّهُ رَبَطَهُ لَا يَفِرُّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (٦) أَيُّ دَابَّةٍ الْبُرَاقُ؟ قَالَ: دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ هَكَذَا، خَطْوُهُ مَدَّ الْبَصَرِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ-بِهِ (٧)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حُذَيْفَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، نَفْيٌ، وَمَا أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبْطِ الدَّابَّةِ بِالْحَلْقَةِ وَمِنَ الصلاة بالبيت الْمَقْدِسِ، مِمَّا سَبَقَ وَمَا سَيَأْتِي مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ -سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيُّ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ":
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ رَاشِدٌ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةٍ أُسْرِيَ بِكَ فِيهَا، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾

(١) دلائل النبوة (٢/٣٥٩).
(٢) في ف: "فانطلقا".
(٣) في ف: "أتيا".
(٤) في ت، ف، أ: "فلح".
(٥) في ت: "ويحدثون" وفي ف، أ: "وتحدثون".
(٦) في ت: "يا عبد الله".
(٧) المسند (٥/٣٨٧) ومسند الطيالسي برقم (٤١١)، وسنن الترمذي برقم (٣١٤٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٢٨٠).


الصفحة التالية
Icon