مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالحمَّى والسَّهر" (١)، وَقَالَ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (٢) كِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ : وَصَفَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَةِ (٣) الصَّلَاةِ، وَهِيَ خَيْرُ الْأَعْمَالِ، وَوَصَفَهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِيهَا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَالِاحْتِسَابِ عِنْدَ اللَّهِ جَزِيلَ الثَّوَابِ، وَهُوَ الْجَنَّةُ (٤) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ، وَهُوَ سَعَةُ الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ، وَرِضَاهُ، تَعَالَى، عَنْهُمْ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التَّوْبَةِ: ٧٢].
وَقَوْلُهُ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ يَعْنِي: السَّمْتَ الْحَسَنَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي: الْخُشُوعَ وَالتَّوَاضُعَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّنَافسي، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجَعْفي، عَنْ زَائِدَةَ (٥)، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ قَالَ: الْخُشُوعُ قُلْتُ: مَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا هَذَا الْأَثَرَ فِي الْوَجْهِ، فَقَالَ: رُبَّمَا كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْ مَنْ هُوَ أَقْسَى قَلْبًا مِنْ فِرْعَوْنَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الصَّلَاةُ تُحَسِّنُ وُجُوهَهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ.
وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحي، عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُوسَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (٦) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ" وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (٧).
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ لِلْحَسَنَةِ نُورًا فِي الْقَلْبِ، وَضِيَاءً فِي الْوَجْهِ، وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ النَّاسِ.
وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ: مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَات وَجْهِهِ، وفَلتَات لِسَانِهِ.
وَالْغَرَضُ أَنَّ الشَّيْءَ الْكَامِنَ فِي النَّفْسِ يَظْهَرُ عَلَى صَفَحَاتِ الْوَجْهِ، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا كَانَتْ سَرِيرَتُهُ صَحِيحَةً مَعَ اللَّهِ أَصْلَحَ اللَّهُ ظَاهِرَهُ لِلنَّاسِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حدثنا حامد بن آدم المروزي،

(١) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٠١١) ومسلم فس صحيحه برقم (٢٥٨٦) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٨١) ومسلم في صحيحه برقم (٢٥٨٥) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
(٣) في ت، م: "وذكر".
(٤) في م: "المحبة".
(٥) في م: "المحبة".
(٦) في ت: "عن النبي".
(٧) سنن ابن ماجة برقم (١٣٣٣).


الصفحة التالية
Icon