عُمَرُ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (١).
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَافَقَ الْقُرْآنَ فِي أماكنَ، مِنْهَا فِي نُزُولِ الْحِجَابِ، وَمِنْهَا فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٢٥].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا [أَبِي، حَدَّثَنَا] (٢) الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيد، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: بَلَغَنِي شَيْءٌ كَانَ بَيْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ (٣) أَقُولُ: لَتَكُفُّنَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ ليبدلَنّه اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ، أَمَا لِي بِرَسُولِ اللَّهِ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ، حَتَّى تَعِظَهُنَّ؟! فَأَمْسَكْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾
وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَدّته عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ وَعظ النِّسَاءِ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (٤).
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ قَالَ: دخلَت حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا وَهُوَ يَطَأ مَارِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ حَتَّى أُبَشِّرَكِ بِبِشَارَةٍ، فَإِنَّ أَبَاكِ يَلي الأمرَ مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ إِذَا أَنَا مِتُّ". فَذَهَبَتْ حَفْصَةُ فأخبَرتْ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَنْبَأَكَ هَذَا؟ قَالَ: ﴿نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا أَنْظُرُ إِلَيْكَ حَتَّى تُحَرِّمَ مَارِيَةَ فَحَرَّمَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ﴾ (٥).
إِسْنَادُهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ﴾ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ ﴿سَائِحَاتٍ﴾ أَيْ: صَائِمَاتٍ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، والسُدّيّ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَقَدَّمَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿السَّائِحُونَ﴾ مِنْ سُورَةِ "بَرَاءَةٌ"، وَلَفْظُهُ: "سياحةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصيامُ".
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ﴿سَائِحَاتٍ﴾ أَيْ: مُهَاجِرَاتٍ، وَتَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ:

(١) صحيح البخاري برقم (٤٩١٦).
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) في م: "فاستقريته".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٤٨٣) ولم أر فيه التصريح بأنها أم سلمة والله أعلم.
(٥) المعجم الكبير (١٢/١١٧) ووجه ضعفه: أن فيه إسماعيل البجلي وهو ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس فهو منقطع.


الصفحة التالية
Icon