الثَّمَرَةَ فِي فَمِهِ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي حَلْقِ الْغُلَامِ وَنَزَعَ الثَّمَرَةَ مَنْ حَلْقِهِ. فَشَكَا ذَلِكَ الرجلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ صَاحِبِ النَّخْلَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبْ". وَلَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب النخلة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطِنِي نَخْلَتَكَ الَّتِي فَرْعُهَا فِي دَارِ فُلَانٍ وَلَكَ بِهَا نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ" فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَعْطَيْتُ، وَلَكِنْ يُعْجِبُنِي ثَمَرُهَا، وَإِنَّ لِي لَنَخْلًا كَثِيرًا مَا فِيهَا نَخْلَةٌ أَعْجَبُ إِلَيَّ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرِهَا. فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ كَانَ يَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ صَاحِبِ النَّخْلَةِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَنَا أَخَذْتُ النَّخْلَةَ فَصَارَتْ لِي النَّخْلَةُ فَأَعْطَيْتُهَا أَتُعْطِينِي بِهَا مَا أَعْطَيْتَهُ بِهَا نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ لَقِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ، وَلِكِلَاهُمَا نَخْلٌ، فَقَالَ لَهُ: أُخْبِرُكَ أَنَّ مُحَمَّدًا، [قَدْ] (١) أَعْطَانِي بِنَخْلَتِي الْمَائِلَةِ فِي دَارِ فُلَانٍ نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ، فَقُلْتُ، لَهُ: قَدْ أعطيتُ وَلَكِنْ يُعْجِبُنِي ثَمَرُهَا. فَسَكَتَ عَنْهُ الرجلُ، فَقَالَ لَهُ: أتُراك إِذَا بِعْتَهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ أُعْطَى بِهَا شَيْئًا، وَلَا أَظُنُّنِي أُعْطَاهُ. قَالَ: وَمَا مُنَاكَ بِهَا (٢) ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ نَخْلَةً. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ جئتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، نَخْلَتُكَ تَطْلُبُ بِهَا أَرْبَعِينَ نَخْلَةً؟! ثُمَّ سَكَتَا وَأَنْشَأَ فِي كَلَامٍ [آخَرَ] (٣) ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَعْطَيْتُكَ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً، فَقَالَ: أَشْهِدْ لِي إِنْ كُنْتَ صَادِقًا. فَأَمَرَ بِأُنَاسٍ فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ نَخْلِي أَرْبَعِينَ نَخْلَةً بِنَخْلَتِهِ الَّتِي فَرْعُهَا فِي دَارِ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ. ثُمَّ قَالَ: مَا تَقَوُّلُ؟ فَقَالَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ: قَدْ رَضِيتُ. ثُمَّ قَالَ بعدُ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَيْعٌ لَمْ نَفْتَرِقْ قَالَ (٤) لَهُ: قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ، وَلَسْتُ بِأَحْمَقَ حِينَ أَعْطَيْتُكَ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً بِنَخْلَتِكَ الْمَائِلَةِ. فَقَالَ صَاحِبُ النَّخْلَةِ: قَدْ رضيتُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا أُرِيدُ. قَالَ: تُعْطِينِيهَا عَلَى سَاقٍ. ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: هِيَ لَكَ عَلَى سَاقٍ وَأَوْقَفَ لَهُ شُهُودًا وَعَدَّ لَهُ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً عَلَى سَاقٍ، فَتَفَرَّقَا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّخْلَةَ الْمَائِلَةَ فِي دَارِ فُلَانٍ قَدْ صَارَتْ لِي، فَهِيَ لَكَ. فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّجُلِ صَاحِبِ الدَّارِ فَقَالَ لَهُ: "النَّخْلَةُ لَكَ وَلِعِيَالِكَ". قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ (٥).
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عنه: حدثني هارون ابن إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، فَكَانَ يُعْتِقُ عَجَائِزَ وَنِسَاءً إِذَا أَسْلَمْنَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنَيَّ، أَرَاكَ تَعْتِقُ أُنَاسًا ضُعَفَاءَ، فَلَوْ أَنَّكَ تَعْتِقُ رِجَالًا جُلَداء يَقُومُونَ مَعَكَ وَيَمْنَعُونَكَ وَيَدْفَعُونَ عَنْكَ؟! فَقَالَ: أيْ أبَت، إِنَّمَا أُرِيدُ -أَظُنُّهُ قَالَ -مَا عِنْدَ اللَّهِ: قَالَ: فَحَدَّثَنِي بعض أهل بيتي أن هذه الآية

(١) زيادة من م.
(٢) في م، أ. "فيها".
(٣) زيادة من م.
(٤) في م: "فقال".
(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٨/٥٣٢) وقال: "أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس".


الصفحة التالية
Icon