قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم "، أي: محرمون بالحج والعمرة، وهو جمع حرام، يقال : رجل حرام وامرأة حرام، وقد يكون(من ) دخول الحرم، يقال : أحرم الرجل إذا عقد الإحرام، وأحرم إذا دخل الحرم. نزلت في رجل يقال له أبو اليسر شد على حمار وحش وهو محرم فقتله. قوله تعالى :"ومن قتله منكم متعمداً " اختلفوا في هذا العمد فقال قوم : هو العمد بقتل الصيد مع نسيان الإحرام، أما إذا قتله عمداً وهو ذاكر لإحرامه فلاحكم عليه، وأمره إلى الله لأنه أعظم من أن يكون له كفارة، وهو قول مجاهد و الحسن. وقال آخرون : أن يعمد المحرم قتل الصيد ذاكرا ً لإحرامه فعليه الكفارة. واختلفوا فيما لو قتله خطأ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن العمد والخطأ سواء في لزوم الكفارة، قال الزهري : على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة، وقال سعيد بن [ جبير ] : لا تجب كفارة الصيد بقتل الخطأ بل يختص بالعمد. قوله عز وجل "فجزاء مثل " قرأ أهل الكوفة و يعقوب " فجزاء " منون، " مثل "، رفع على البدل من الجزاء، وقرأ الآخرون بالإضافة " فجزاء مثل "، " ما قتل من النعم "، معناه أنه يجب عليه مثل ذلك الصيد من النعم، وأراد به ما يقرب من الصيد المقتول شبها من حيث الخلقة لا من حيث القيمة. " يحكم به ذوا عدل منكم " أي : يحكم بالجزاء رجلان عدلان، وينبغي أن يكونا فقيهين ينظران إلى أشبه الأشياء من النعم فيحكمان به، وممن ذهب إلى إيجاب المثل من النعم عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر وابن عباس، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم، يحكم حاكم في النعامة ببدنه وهي لا تساوي بدنه، وفي حمار الوحش ببقرة (وهي لا تساوي بقرة ) وفي الضبع بكبش وهي لا تساوي كبشاً، فدل على أنهم نظروا إلى ما يقرب من الصيد شبهاً من حيث الخلقة (لا من حيث القيمة)، وتجب في الحمام شاة، وهو


الصفحة التالية
Icon