قوله عز وجل: " إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله "، عطف المستقبل على الماضي، لأن المراد من لفظ المستقبل الماضي، كما قال تعالى في موضع آخر: " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله " (النساء: ١٦٧)، معناه: إن الذين كفروا فيما تقدم، ويصدون عن سبيل الله في الحال، أي: وهم يصدون. " والمسجد الحرام "، أي: ويصدون عن المسجد الحرام. " الذي جعلناه للناس "، قبلةً لصلاتهم ومنسكاً ومتعبداً كما قال: " وضع للناس " (آل عمران: ٩٦). " سواءً "، قرأ حفص عن عاصم و يعقوب :((سواء)) نصباً بإيقاع الجعل عليه لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين. وقيل: معناه مستوياً فيه، " العاكف فيه والباد "، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وما بعده خبر، وتمام الكلام عند قوله " للناس "، وأراد بالعاكف: المقيم فيه، والبادي: الطاريء المنتاب إليه من غيره. واختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: ((سواء العاكف فيه والباد)) أي: في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه. وإليه ذهب مجاهد و الحسن وجماعة، وقالوا: المراد منه نفس المسجد الحرام. ومعنى التسوية: هو التسوية في تعظيم الكعبة في فضل الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالبيت. وقال آخرون: المراد منه جميع الحرم، ومعنى التسوية: أن المقيم والبادي سواء في النزول به، ليس أحدهما أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر، غير أنه لا يزعج فيه أحد إذا كان قد سبق إلى منزل، وهو قول ابن عباس و سعيد بن جبير و قتادة و ابن زيد قالوا: هما سواء في [البيوت] والمنازل. وقال عبد الرحمن بن سابط : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحق بمنزلة منهم. وكان عمر بن الخطاب ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم، وعلى هذا القول لا يجوز بيع دور مكة وإجارتها، وعلى القول الأول -وهو الأقرب إلى الصواب- يجوز، لأن الله تعالى قال: " الذين أخرجوا من ديارهم " (الحج: ٤٠)،


الصفحة التالية
Icon