كما يستدل كل فريق بأدلة من السنة، ويشهد للجمهور قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر)(٧٢)
ولكن الحنفية يؤولون معنى كلمة الكافر هنا بأنه الكافر الحربي وليس الذميّ، وهو مستبعد، لأنّه لا يتصوّر عاقل وجود القصاص بين المسلم والكافر الحربي.
ولا يعني عدم القتل عند الجمهور عدم المساءلة، بل يعاقب بما دون القتل وتلزمه الديّة.
وممّا يؤكّد صحة ما ذهب إليه الجمهور المناسبة(٧٣) التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقتل مسلم بكافر ) لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام خطب المسلمين يوم الفتح، بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة، وكان له عهد، فخطب عليه الصلاة والسلام الناس وقال: لو قتلت مؤمنا بكافر لقتلته به، وقال: ( لايقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده)، وقال عليه الصلاة والسلام:
(لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت حراشا بالهذلي )(٧٤).
سادساً: تكفير مرتكب الكبيرة
نزلت بعض الآيات القرآنية تذكر عقوبة بعض أصحاب الكبائر، وتتوعدهم بعذاب جهنم خالدين فيها. فقد قال الله تعالى في عقوبة قتل النفس المؤمنة: ﴿ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما ﴾ [النساء: ٩٣].
وقال - سبحانه وتعالى - في عقوبة من يولّ الكفار دبره يوم الزحف: ﴿ ومن يولّهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ﴾ [الأنفال: ١٦].
وقد فهم بعض أصحاب الفرق الإسلامية كالخوارج والمعتزلة أن هذا الوعد حتم لازم لا بدّ من تحققه، فحكم الخوارج بكفر مرتكب الكبيرة، وذهب المعتزلة إلى جعله في منزلة بين الكفر والإيمان(٧٥).
أما أهل السنة فمذهبهم أنهم لا يكفّرون أحدا من أهل الملة بذنب ما لم يستحلّه(٧٦).
وقد وقعت مناظرة في هذه المسألة بين الإمام أبي حنيفة وبعض الخوارج نوردها فيما يلي:


الصفحة التالية
Icon