لما بلغ الخوارج أن أبا حنيفة لا يكفّر أحدا بذنب ما لم يستحله، اجتمع إليه سبعون منهم، فدخلوا عليه وسلّوا سيوفهم وأرادوا قتله. فقال لهم أبو حنيفة: اغمدوا سيوفكم واسمعوا لي وناظروني.
فقالوا: معنا جنازتان إحداهما جنازة رجل شرب الخمر حتى مات منه، والأخرى جنازة امرأة زنت فحبلت ثم قتلت نفسها، ما تقول فيهما؟
فقال أبو حنيفة: من أيّ الملل كانا؟ من اليهود أو النصارى أو المجوس؟
قالوا: لا.
قال: من أيّ الملل؟
قالوا: من الملة التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قال: فأخبروني عن هذه الشهادة، كم هي من الإيمان؟ أثلث أم ربع(٧٧).
قالوا: لا، فإن الإيمان لا يكون له ثلث وربع.
قال: فكم هي من الإيمان؟
قالوا: كلّه، ثم قالوا: دعنا من هذا فما تقول فيهما، هل هما من أهل الجنة أو من أهل النار؟
فقال: إني أقول فيهما كما قال نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيمن كان أعظم جرما منهما: ﴿ فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ [إبراهيم: ٣٦]، وأقول فيهما ما قال عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ [المائدة: ١١٨].
وقد كانوا أعظم جرما منهما، وأقول ما قال نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿ قال: وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون. وما أنا بطارد المؤمنين ﴾ [الشعراء: ١١٢، ١١٤].
وأقول فيهما ما قال نوح عليه السلام: ﴿ ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا، الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين ﴾ [هود: ٣١].
فألقى الخوارج سلاحهم، وتركوا عقيدة الخوارج، وتبعوا عقيدة جماعة المسلمين(٧٨).
سابعاً: القراءة خلف الإمام
في قوله تعالى: ﴿ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾ [الأعراف: ٢٠٤].


الصفحة التالية
Icon