روي عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وابن شهاب الزهري وغيرهم أن الآية نزلت في الصلاة، والمراد بذلك قراءة المأموم خلف الإمام في الصلاة(٧٩).
فقد روي عن أبي هريرة أن المسلمين كانوا يتكلمون في الصلاة فلما نزلت هذه الآية ﴿ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ﴾ والآية الأخرى ﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ [البقرة: ٢٣٨]. أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام(٨٠).
وروى ابن شهاب الزهري أن هذه الآية نزلت في فتى من الأنصار كان رسول الله ﷺ كلما قرأ شيئا قرأه فنزلت: ﴿ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ﴾ [الأعراف: ٢٠٤].
وقد اختلف العلماء في حكم القراءة خلف الإمام ولكل أدلته(٨١).
فقد ذهب الشافعية إلى وجوب قراءة الفاتحة من المأموم في كل صلاة سرّية أو جهرية. وذهب الحنفية إلى عدم وجوب القراءة من المأموم مطلقا في كل صلاة سرّية أو جهرية. وقال المالكية والحنابلة يقرأ في السرية ولا يقرأ في الجهرية.
وقد وقعت مناظرة بين أبي حنيفة وبين جمع من القائلين بوجوب القراءة من المأموم على كل حال، ونوجز هذه المناظرة كما يلي:
جاء جماعة إلى أبي حنيفة ليناظروه في القراءة خلف الإمام فقال لهم: لا يمكنني مناظرة الجميع، فاختاروا أعلمكم لأناظره، فاختاروا واحدا منهم، فقال أبو حنيفة: هذا أعلمكم، فقالوا: نعم، قال: والمناظرة معه كالمناظرة معكم؟ قالوا: نعم، قال: والحجة عليه كالحجة عليكم؟ قالوا: نعم، فقال: إن ناظرته لزمتكم الحجة في المسألة. قالوا: كيف؟ قال: لأنكم اخترتموه فجعلتم كلامه كلامكم، وكذا نحن اخترنا الإمام فقراءته قراءتنا، وهو ينوب عنّا في ذلك كله، فأقرّوا بذلك(٨٢).
ومن أدلة الجمهور القوية في عدم وجوب القراءة من المأموم خلف الإمام ما جاء في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبّر فكبّروا وإذا قرأ فأنصتوا(٨٣).