وكذلك فإن العلماء قد اتفقوا على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة. فنقول: هب أن هذا المأموم كان يلعب الكرة في الشارع وجاء إلى الإمام في ركوعه، فكيف تقولون بصحة صلاته، أما المأموم الذي أنصت لقراءة الإمام وهو في الصلاة فصلاته باطلة لأنه لم يقرأ الفاتحة؟!
وقد أجاب الشافعية بأن المأموم كان متمكنا من القراءة أما المسبوق فلم يتمكن(٨٤)، ونقول: متى كان الفعل صحيحا إذا لم نتمكن من فعله؟
ويتبع هذه المسألة مناظرة أخرى فيمن تكلّم وهو في الصلاة بكلام من خارج أعمال الصلاة أو قهقه في الصلاة. فعند عامّة أهل العلم أن من فعل ذلك فقد بطلت صلاته وبقي وضوؤه صحيحا.
وذهب أبو حنيفة إلى أن القهقهة في الصلاة تبطل الصلاة والوضوء جميعا(٨٥).
وقد وقعت مناظرة بين الحسن بن زياد اللؤلؤي(٨٦) من الحنفية وأحد أصحاب الشافعي في هذه المسألة. وموجز هذه المناظرة كما يلي:
قال الشافعي: قال لي الفضل بن الربيع(٨٧). أحبّ أن أسمع مناظرتك للحسن بن زياد اللؤلؤي، فقال الشافعي: ليس اللؤلؤي في هذا الحدّ، ولكن أٌحضرُ بعض أصحابي حتى يكلمه بحضرتك، فقال: ولك ذلك.
فحضر الشافعي، وأحضر معه رجلا من أصحابه، من أهل الكوفة، كان على مذهب أبي حنيفة وصار من الشافعية. فلما دخل اللؤلؤي أقبل الكوفي عليه ـ والشافعي حاضر بحضرة الفضل بن الربيع ـ فقال له: إن أهل المدينة ينكرون على أصحابنا بعض قولهم، وأريد أن أسأل عن مسألة من ذلك. فقال اللؤلؤي: سلْ. فقال له: ما تقول في رجل قذف محصنة وهو في الصلاة؟ فقال: صلاته فاسدة. فقال: فما حال طهارته؟ قال: طهارته بحالها، ولا ينقض قذفه طهارته.
فقال له: فما تقول إن ضحك في صلاته؟ قال: يعيد الطهارة والصلاة. فقال له: فقذف المحصنة في الصلاة أيسر من الضحك فيها؟! فقال له: وقفنا في هذا، ثم مضى.
فاستضحك الفضل بن الربيع، فقال له الشافعي: ألم أقل لك إنه ليس في هذا الحدّ؟!(٨٨).