وخلاصة هذه المناظرة أنه اجتمع كل من الإمام مالك والقاضي أبي يوسف بحضرة هارون الرشيد. فتكلّموا في الوقوف(٢٧) وما يحبسه الناس، فقال القاضي أبو يوسف: هذا باطل مستدلاً بقوله تعالى: ﴿ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ﴾ [المائدة: ١٠٣].
فقال مالك: إنما جاء محمد ﷺ بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة.
فأما الوقوف: فهذا وقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث استأذن النبي ﷺ فقال: إن شئت حبّست أصلها وتصدقت بها (٢٨).
وهذا وقف الزبير بن العوام - رضي الله عنه - حيث وقف داره بمكة ومصر وأمواله بالمدينة على أولاده(٢٩) فأعجب الخليفة بذلك، ورجع القاضي أبو يوسف إلى رأي الجمهور.
وممّا يؤكد رأي جمهور العلماء ما جاء في بعض الروايات(٣٠) أنّ رسول الله ﷺ قال لعمر رضي الله عنه: ( تصدّق بثمره وحبّس أصله ) وفي رواية: ( احبس أصلها وسبّل ثمرتها ).
ويعقّب ابن حجر على هذه الروايات فيقول: " وأصرح من ذلك ما جاء في صحيح البخاري أنّ رسول الله ﷺ قال لعمر رضي الله عنه: تصدّق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره )(٣١).
وقال الترمذي:( لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافاً في جواز وقف الأرضين، وجاء عن شريح أنّه أنكر الحبس، وقال أبو حنيفة: لا يلزم، وخالفه في ذلك جميع أصحابه إلاّ زفر.
وممّا روي عن أبي يوسف قوله: لو بلغ الحديث أبا حنيفة لرجع عن قوله في الوقف)(٣٢).
وذكر القرطبي إجماع الصحابة رضي الله عنهم على جواز الوقف، وقال:
( لا حجّة في قول شريح، ولا في قول أحد يخالف السنّة، وما رواه ابن لهيعة عن ابن عباس رضي الله عنهما في عدم جواز ذلك فهو ضعيف لا تقوم به حجة)(٣٣).
ثالثاً: إثبات القدر


الصفحة التالية
Icon