وقال بعض العلماء: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾ أي: إذا أنعم الله عليهم بالمال والعافية قالوا: هذا الدين حق ما أصابنا منذ تمسكنا به إلا الخير ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ أي: وإن أصابهم فقر أو مرض أو ولدت لهم البنات دون الذكور. قالوا: ما أصابنا هذا إلا من شؤم هذا الدين وارتدوا عنه. وهذا الوجه يدل له قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [٢٢/١١].
وقال بعض العلماء: إضاءته لهم معرفتهم بعض الحق منه وإظلامه عليهم ما يعرض لهم من الشك فيه.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾، أشار في هذه الآية إلى ثلاثة براهين من براهين البعث بعد الموت وبينها مفصلة في آيات أخر.
الأول: خلق الناس أولا المشار إليه بقوله ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ الآية [٣٠/٢٧]، وقوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [٢١/١٠٤]، وكقوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة﴾ [١٧/٥١]، وقوله: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [٣٦/٧٩]، وقوله: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ﴾ الآية [٥٠/١٥]، وكقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [٢٢/٥]، وكقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾ [٥٦/٦٢].
ولذا ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول، كما في قوله: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ الآية [٣٦/٧٨]. وقوله: ﴿وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً، أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً﴾ [١٩/٦٨، ٦٧]، ثم رتب على ذلك نتيجة الدليل بقوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ الآية [١٩/٦٨] إلى غير ذلك من الآيات.
البرهان الثاني: خلق السماوات والأرض المشار إليه بقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ


الصفحة التالية
Icon