الْأَنْهَارُ}، لم يبين هنا أنواع هذه الأنهار، ولكنه بين ذلك في قوله: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً﴾ [٤٧/١٥].
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾، لم يبين هنا صفات تلك الأزواج، ولكنه بين صفاتهن الجميلة في آيات أخر كقوله: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾ [٣٧/٤٨]، وقوله: ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [٥٥/٥٨]، وقوله: ﴿وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ [٥٦/٢٣، ٢٢]، وقوله: ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾ [٧٨/٣٣]، إلى غير ذلك من الآيات المبينة لجميل صفاتهن، والأزواج: جمع زوج بلا هاء في اللغة الفصحى، والزوجه بالهاء لغة، لا لحن كما زعمه البعض.
وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها زوجتي" أخرجه مسلم.
ومن شواهده قول الفرزدق: [الطويل]
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقول الآخر: [الكامل]
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي... والظاعنون إلي ثم تصدعوا
قوله تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ ؛ لم يبين هنا هذا الذي أمر به أن يوصل، وقد أشار إلى أن منه الأرحام بقوله: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [٤٧/٢٢].
وأشار في موضع آخر إلى أن منه الإيمان بجميع الرسل، فلا يجوز قطع بعضهم عن بعض في ذلك بأن يؤمن ببعضهم دون بعضهم الآخر. وذلك في قوله: ﴿وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً﴾ [٤/١٥١، ١٥٠].
وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ ؛ ظاهره: أن ما في الأرض جميعا خلق بالفعل قبل السماء، ولكنه بين في موضع آخر أن المراد بخلقه قبل السماء، تقديره، والعرب تسمي التقدير خلقا كقول زهير:
ولأنت تفرى ما خلقت... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري


الصفحة التالية
Icon