قال ابن قدامة في روضة الناظر ما نصه: ولأن في الآية قرائن تدل على أن الله سبحانه، متفرد بعلم المتشابه، وأن الوقف الصحيح عند قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾، لفظا ومعنى، أما اللفظ فلأنه لو أراد عطف الراسخين لقال: ويقولون آمنا به بالواو، أما المعنى فلأنه ذم مبتغى التأويل، ولو كان ذلك للراسخين معلوما لكان مبتغيه ممدوحا لا مذموما؛ ولأن قولهم: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ يدل على نوع تفويض وتسليم لشيء لم يقفوا على معناه سيما إذا تبعوه بقولهم: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ فذكرهم ربهم ها هنا يعطي الثقة به والتسليم لأمره، وأنه صدر من عنده، كما جاء من عنده المحكم؛ ولأن لفظة أما لتفصيل الجمل فذكره لها في: ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ مع وصفة إياهم باتباع المتشابه ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ يدل على قسم آخر يخالفهم في هذه الصفة، وهم الراسخون. ولو كانوا يعلمون تأويله لم يخالفوا القسم الأول في ابتغاء التأويل وإذ قد ثبت أنه غير معلوم التأويل لأحد فلا يجوز حمله على غير ما ذكرنا. اهـ من "الروضة" بلفظه.
ومما يؤيد أن الواو استئنافية لا عاطفة، دلالة الاستقراء في القرآن أنه تعالى إذا نفى عن الخلق شيئا وأثبته لنفسه، أنه لا يكون له في ذلك الإثبات شريك كقوله: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [٢٧/٦٥]، وقوله: ﴿لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [٧/١٨٧]، وقوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [٢٨/٨٨]، فالمطابق لذلك أن يكون قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾، معناه: أنه لا يعلمه إلا هو وحده كما قاله الخطابي وقال: لو كانت الواو في قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ للنسق، لم يكن لقوله: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، فائدة والقول بأن الوقف تام على قوله: ﴿إِلَّا اللَّهَ﴾، وأن قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾، ابتداء كلام هو قول جمهور العلماء للأدلة القرآنية التي ذكرنا.
وممن قال بذلك: عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وابن مسعود، وأبي بن كعب، نقله عنهم القرطبي غيره، ونقله ابن جرير، عن يونس، عن أشهب، عن مالك بن أنس، وهو مذهب الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد.
وقال أبو نهيك الأسدي: إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، والقول بأن الواو عاطفة مروي