وقد جزم البخاري في "صحيحه" بأن غزوة ذات قرد قبل خيبر بثلاثة ليال، وأخرج نحو ذلك مسلم في "صحيحه" عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: فرجعنا من الغزوة إلى المدينة، فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر، فما في الصحيح أثبت مما يذكره أهل السير مما يخالف ذلك، كقول ابن سعد: إنها كانت في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وكقول ابن إسحاق: إنها كانت في شعبان من سنة ست بعد غزوة لحيان بأيام.
ومال ابن حجر في "فتح الباري" إلى الجمع بين ما في الحديث الصحيح وبين ما ذكره أهل السير بتكرر الخروج إلى ذي قرد، وقرد بفتحتين في رواية الحديث وأهل اللغة يذكرون أنه بضم ففتح أو بضمتين، وقد وردت صلاة الخوف على كيفيات أخر غير ما ذكرنا.
قال ابن القصار المالكي: إن النبي ﷺ صلاها في عشرة مواضع.
وقال ابن العربي المالكي: روي عن النبي ﷺ أنه صلى صلاة الخوف أربعا وعشرين مرة.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر والله تعالى أعلم، أن أفضل الكيفيات الثابتة عنه ﷺ في صلاة الخوف، ما كان أبلغ في الاحتياط للصلاة والتحفظ من العدو.
تنبيهان:
الأول: آية صلاة الخوف هذه من أوضح الأدلة على وجوب الجماعة؛ لأن الأمر بها في هذا الوقت الحرج دليل واضح على أنها أمر لازم؛ إذ لو كانت غير لازمة لما أمر بها في وقت الخوف؛ لأنه عذر ظاهر.
الثاني: لا تختص صلاة الخوف بالنبي ﷺ بل مشروعيتها باقية إلى يوم القيامة، والاستدلال على خصوصها به ﷺ بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ الآية [٤/١٠٢]، استدلال ساقط، وقد أجمع الصحابة وجميع المسلمين على رد مثله في قوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ الآية [٩/١٠٣]، واشتراط كونه ﷺ فيهم، إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، والتقدير بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول كما قاله ابن العربي وغيره، وشذ عن الجمهور أبو يوسف والمزني وقال بقولهما الحسن بن زياد


الصفحة التالية
Icon