توبة من الله عليهم، وبين تفصيل ذلك في قومه: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ الآية [١٧/٤]، فبين جزاء عماهم، وصممهم في المرة الأولى بقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ الآية [١٧/٥]، وبين جزاء عماهم، وصممهم في المرة الآخرة بقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾، وبين التوبة التي بينهما بقوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾، ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾، فعادوا إلى الإفساد بتكذبيه صلى الله عليه وسلم، وكتم صفاته التي في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم، فسلط عليهم نبيه ﷺ فذبح مقاتلة بني قريظة، وسبى نساءهم، وذراريهم وأجلى بني قينقاع، وبني النضير. كما ذكر تعالى طرفاً من ذلك في سورة الحشر، وهذا البيان الذي ذكرنا في هذه الآية ذكره بعض المفسرين، وكثير منهم لم يذكره، ولكن ظاهر القرآن يقتضيه، لأن السياق في ذكر أفعالهم القبيحة الماضية من قتل الرسل وتكذبيهم، إذ قبل الآية المذكورة: ﴿كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ﴾ [٥/٧٠].
ومعنى: ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [٥/٧١]، ظنوا ألا يصيبهم بلاء وعذاب من الله، بسبب كفرهم، وقتلهم الأنبياء، لزعمهم الباطل، أنهم أبناء الله، وأحباؤه، وقوله: ﴿كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾، أحسن، أوجه الإعراب فيه. أنه بدل من واو الفاعل في قوله: ﴿عَمُوا وَصَمُّوا﴾، كقولك: جاء القوم أكثرهم، وقوله: ﴿أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾، قرأه حمزة، والكسائي، وأبو عمرو بالرفع، والباقون بالنصب، فوجه قراءة النصب ظاهر، لأن الحسبان بمعنى الظن، ووجه قراءة الرفع، تنزيل اعتقادهم لذلك -ولو كان باطلاً- منزلة العلم. فتكون أن مخففة من الثقيلة، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
أشار في هذه الآية، إلى أن الذين قالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ [٥/٧٣]، لو تابوا إليه من ذل، لتاب عليهم، وغفر لهم، لأنه استعطفهم إلى ذلك أحسن استعطاف، وألطفه، بقوله: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾، ثم أشار إلى أنهم إن فعلوا ذلك غفر لهم بقوله: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وصرح بهذا المعنى عاماً لجميع الكفار بقوله: