﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ الآية [٨/٣٨].
قوله تعالى: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ﴾، ذكر في هذه الآية الكريمة أن عيسى وأمه كانا يأكلان الطعام، وذكر في مواضع أخر، أن جميع الرسل كانوا كذلك. كقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ الآية [٢٥/٢٠]، وقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ الآية [٢١/٨]، وقوله: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ الآية [٢٥/٧]، وقوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، معنى قوله: [٥/٧٥]، ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يصرفون عن الحق، والمراد بصرفهم عنه، قول بعضهم: إن الله هو المسيح بن مريم، وقول بعضهم: إن الله ثالث ثلاثة، وقول بعضهم: عزير بن الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وعلى من يقول ذلك لعائن الله إلى يوم القيامة، فإنهم يقولون هذا الأمر الذي لم يقل أحد أشنع منه ولا أعظم، مع ظهور أدلة التوحيد المبينة له، ولذا قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، على سبيل التعجب من أمرهم، كيف يؤفكون إلى هذا الكفر مع وضوح أدلة التوحيد؟!.
قوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ الآية، قال بعض العلماء: الذين لعنوا على لسان داود الذين اعتدوا في السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى ابن مريم، هم الذين كفروا من أهل المائدة، وعليه فلعن الأولين مسخهم قردة، كما بينه تعالى بقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [٢/٦٥]، وقوله: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [٧/١٦٦]، ولعن الآخرين هو المذكور في قوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [٥/١١٥]، وذكر غير واحد أنه مسخهم خنازير، وهذا القول مروي عن الحسن، وقتادة، ومجاهد، والباقر نقله الألوسي في تفسيره، وقال: واختاره غير واحد، ونقله القرطبي عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وأبي مالك، وذكر أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض من قال بهذا القول: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت، قال داود عليه الصلاة والسلام: اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم الله قردة، وأصحاب المائدة لما كفروا، قال عيسى عليه الصلاة والسلام: