كفارتها تركها متمسكاً بأحاديث وردت في ذلك، قال أبو داود: والأحاديث عن النبي ﷺ كلها: "فليكفر عن يمينه"، وهي الصحاح، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾، لم يقيد هنا ﴿رَقَبَةٍ﴾ كفارة اليمين بالإيمان، وقيد به كفارة القتل خطأ.
وهذه من مسائل المطلق والمقيد في حالة اتفاق الحكم، مع اختلاف السبب، وكثير من العلماء يقولون فيه بحمل المطلق على المقيد فتقيد رقبة اليمين والظهار بالقيد الذي في رقبة القتل خطأ، حملاً للمطلق على المقيد، وخالف في ذلك أبو حنيفة ومن وافقه.
وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب" في سورة النساء عند قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [٤/٩٢]، ولذلك لم نطل الكلام بها هنا، والمراد بالتحرير الإخراج من الرق، وربما استعملته العرب في الإخراج من الأسر والمشقات، وتعب الدنيا ونحو ذلك، ومنه قول والدة مريم ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ [٣/٣٥]، أي من تعب أعمال الدنيا، ومنه قول الفرزدق همام بن غالب التميمي:[الكامل]
أبني غدانة إني حررتكم | فوهبتكم لعطية بن جعال |
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ﴾ الآية.
يفهم من هذه الآية الكريمة أن الخمر نجسة العين، لأن الله تعالى قال: إنها ﴿رِجْسٌ﴾، والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس.
وقيل: إن أصله من الركس، وهو العذرة والنتن. قال بعض العلماء: ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ [٧٦/٢١]؛ لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه، أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح بها تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا، كقوله: ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾ [٣٧/٤٧]، وكقوله: ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ﴾ [٥٦/١٩]، بخلاف خمر الدنيا ففيها غول يغتال العقول