وأهلها يصدعون. أي يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها، وقوله: " لاَ يٌنْزَفُونَ" على قراءة فتح الزاي مبنياً للمفعول، فمعناه: أنهم لا يسكرون، والنزيف السكران، ومنه قول حميد بن ثور:

نزيف ترى ردع العبير بجيبها كما ضرج الضاري النزيف المكلما
يعني أنها في ثقل حركتها كالسكران، وأن حمرة العبير الذي هو الطيب في جيبها كحمرة الدم على الطريد الذي ضرجه الجوارح بدمه: فأصابه نزيف الدم من جرح الجوارح له، ومنه أيضاً قول امرىء القيس:[المتقارب]
وإذ هي تمشي كمشي النزيف يصرعه بالكثيب البهر
وقوله أيضاً: [الطويل]
نزيف إذا قامت لوجه تمايلت تراشى الفؤاد الرخص ألا تخترا
وقول ابن أبي ربيعة أو جميل: [الكامل]
فلثمت فاها آخذاً بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
وعلى قراءة: ﴿يَنْزِفُونَ﴾ بكسر الزاي مبنياً للفاعل، ففيه وجهان من التفسير للعلماء:
أحدهما: أنه من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر. ونظيره قولهم: أحصد الزرع إذا حان حصاده وأقطف العنب إذا حان قطافه، وهذا القول معناه راجع إلى الأول.
والثاني: أنه من أنزف القوم إذا فنيت خمورهم، ومنه قول الخطيئة:
لعمري لئن أنزفتموا أو صحوتموا لبئس الندامى أنتم آل أبجرا
وجماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين لما ذكرنا، وخالف في ذلك ربيعة والليث، والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره.
واستدلوا لطهارة عينها بأن المذكورات معها في الآية من مال ميسر، ومال قمار وأنصاب وأزلام ليست نجسة العين، وإن كانت محرمة الاستعمال.


الصفحة التالية
Icon