الطعام، إذا غاب فيه وهلك فيه، ولذلك تسمي العرب الدفن إضلالاً؛ لأنه تغيب في الأرض يؤول إلى استهلاك عظام الميت فيها، لأنها تصير رميماً وتمتزج بالأرض، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ الآية [٣٢/١٠]. ومن إطلاق الضلال على الغيبة قوله تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [٧/٥٣]، أي غاب واضمحلَّ. ومن إطلاق الضلال على الدفن قول نابغة ذبيان:
فآب مضلوه بعين جلية | وغودر بالجولان حزم ونائل |
ومن الضلال بمعنى الغيبة والاضمحلال قول الأخطل:
كنت القذى في موج أكدر مزبد | قذف الأتى به فضل ضلالا |
ألم تسأل فتخبرك الديار | عن الحي المضلل أين ساروا |
ثم صرح في هذه السورة الكريمة بأنه جل وعلا أنجز ذلك الوعد في قوله: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [١٢/٨٩].
وصرح بعدم شعورهم بأنه يوسف في قوله: ﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [١٢/٥٨].
وهذا الذي ذكرنا أن العامل في الجملة الحالية هو قوله: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾ [١٢/١٥]، أي: لتخبرنهم ﴿بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾ في حال كونهم ﴿لا يَشْعُرُونَ﴾ بأنك يوسف هو الظاهر.
وقيل: إن عامل الحال هو قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ [١٢/١٥]، وعليه فالمعنى: أن ذلك الإيحاء وقع في حال كونهم لا يشعرون بأنه أوحي إليه ذلك.
وقرأ هذه الآية جمهور القراء ﴿غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ [١٢/١٥] بالإفراد، وقرأ نافع "غيابات الجب" بصيغة الجمع، وكل شيء غيب عنك شيئاً فهو غيابة، ومنه قيل للقبر