إليه نفسه بالطبع خوفاً من الله، وامتثالاً لأمره، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [٧٩/٤٠، ٤١].
وهم بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد، كهم يوسف هذا، بدليل قوله: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ [٣/١٢٢]؛ لأن قوله: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ يدل على أن ذلك الهم ليس معصية، لأن إتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراء على المعصية.
والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه: هذا ما يهمني، ويقول فيما يحبه ويشتهيه: هذا أهم الأشياء إلي، بخلاف هم امرأة العزيز، فإنه هم عزم وتصميم، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه.
ومثل هذا التصميم على المعصية: معصية يؤاخذ بها صاحبها، بدليل الحديث الثابت في الصحيح عنه ﷺ من حديث أبي بكرة: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قالوا: يا رسول الله قد عرفنا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه"، فصرح ﷺ بأن تصميم عزمه على قتل صاحبه معصية أدخله الله بسببها النار.
وأما تأويلهم هم يوسف بأنه قارب الهم ولم يهم بالفعل، كقول العرب: قتلته لو لم أخف الله، أي قاربت أن أقتله، كما قاله الزمخشري.
وتأويل الهم بأنه هم بضربها، أو هم بدفعها عن نفسه، فكل ذلك غير ظاهر، بل بعيد من الظاهر ولا دليل عليه.
والجواب الثاني: وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلاً، بل هو منفي عنه لوجود البرهان.
قال مقيده عفا الله عنه: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية؛ لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه، كقوله: ﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [١٠/٨٤]، أي: إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، فالأول: دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب، لأن جواب الشروط وجواب ﴿لَوْلا﴾ لا يتقدم، ولكن يكون المذكور قبله دليلاً عليه كالآية