وكأنهن ربابة وكأنه... يسر يفيض على القداح ويصدع
قاله صاحب اللسان.
وقال بعض العلماء: أصله من الصدع بمعنى التفريق والشق في الشيء الصلب كالزجاج والحائط، ومنه بمعنى التفريق: قوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [٣٠/٤٣]، أي: يتفرقون، فريق في الجنة وفريق في السعير؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [٣٠[١٤]، ومنه قول غيلان ذي الرمة:
عشية قلبي في المقيم صديعه... وراح جناب الظاعنين صديع
يعني: أن قلبه افترق إلى جزءين: جزء في المقيم، وجزء في الطاعنين.
وعلى هذا القول: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ [١٥/٩٤]، أي: فرق بين الحق والباطل بما أمرك الله بتبليغه، وقوله: ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾، يحتمل أن تكون ﴿ما﴾ موصولة، ويحتمل أن تكون مصدرية، بناء على جواز سبك المصدر من أن والفعل المبني للمفعول، ومنع ذلك جماعة من علماء العربية. قال أبو حيان في البحر: والصحيح أن ذلك لا يجوز.
قوله تعالى: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، في هذه الآية الكريمة قولان معروفان للعلماء:
أحدهما: أن معنى ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، أي: لا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، ولا يصعب عليك ذلك، فالله حافظك منهم.
والآية على هذا التأويل معناها: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾، أي: بلغ رسالة ربك، ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾، أي: لا تبال بهم ولا تخشهم، وهذا المعنى كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [٥/٦٧].
الوجه الثاني وهو الظاهر في معنى الآية: أنه كان في أول الأمر مأموراً بالإعراض عن المشركين، ثم نسخ ذلك بآيات السيف، ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [٦/١٠٦]، وقوله: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ﴾ [٣٢/٣٠]، وقوله: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [٥٣/٢٩]، وقوله: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ


الصفحة التالية
Icon