تنبيه
اختلف علماء العربية في ﴿إِذَا﴾ الفجائية؛ فقال بعضهم: هي حرف، وممن قال به الأخفش. قال ابن هشام في المغني: ويرجح هذا القول قولهم: خرجت فإذا إن زيداً بالباب بكسر، إن، لأن إن المكسورة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وقال بعضهم: هي ظرف مكان. وممن قال به المبرد، وقال بعضهم: هي ظرف زمان، وممن قال به الزجاج. الخصيم: صيغة مبالغة، أي: شديد الخصومة. وقيل: الخصيم المخاصم؛ وإتيان الفعيل بمعنى المفاعل كثير في كلام العرب، كالقعيد بمعنى المقاعد، والجليس بمعنى المجالس، والآكيل بمعنى المؤاكل، ونحو ذلك.
وقوله: ﴿مُبِينٌ﴾ [١٦/٤]، الظاهر أنه اسم فاعل أبان اللازمة، بمعنى بان وظهر؛ أي بين الخصومة، ومن إطلاق أبان بمعنى بان قول جرير:

إذا آباؤنا وأبوك عدوا أبان المقرفات من العراب
أي: ظهر، وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
لو دب ذر فوق ضاحي جلدها لأبان من آثارهن حدود
يعني لظهر من آثارهن ورم في الجلد، وقيل: من أبان المتعدية والمفعول محذوف؛ أي: مبين خصومته ومظهر لها، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الأنعام لبني آدم ينتفعون بها تفضلاً منه عليهم، وقد قدمنا في "آل عمران" أن القرآن بين أن الأنعام هي الأزواج الثمانية التي هي: الذكر والأنثى من الإبل، والبقر، والضأن، والمعز، والمراد بالدفء على أظهر القولين: أنه اسم لما يدفأ به، كالملء اسم لما يملأ به، وهو الدفاء من اللباس المصنوع من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها.
ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ﴾ [١٦/٨٠]، وقيل: الدفء نسلها، والأول أظهر؛ والنسل داخل في قوله ﴿وَمَنَافِعُ﴾ [١٦/٥]، أي: من نسلها ودرها، ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon