ومنافع الأنعام التي بين الله جل وعلا امتنانه بها على خلقه في هذه الآية الكريمة، بينها لهم أيضاً في آيات كثيرة، كقوله: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [٢٣/٢١، ٢٢]، وقوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ﴾ [٤٠/٧٩-٨١]، وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [٣٦/٧١-٧٣]، وقوله: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [٤٣/١٢، ١٣]، وقوله: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [٣٩/٦]، إلى غيرذلك من الآيات.
والأظهر في إعراب ﴿وَالْأَنْعَامَ﴾ [١٦/٥] أن عامله وهو ﴿خَلَقَ﴾، اشتغل عنه بالضمير فنصب بفعل مقدر وجوباً يفسره ﴿خَلَقَ﴾ المذكور، على حد قول ابن مالك في الخلاصة:

فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما موافق لما قد أظهر
وإنما كان النصب هنا أرجح من الرفع؛ لأنه معطوف على معمول فعل، وهو قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ الآية [١٦/٤]، فيكون عطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية أولى من عطف الإسمية على الفعلية لو رفع الاسم السابق؛ وإلى هذا أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله عاطفاً على ما يختار فيه النصب:
وبعد عاطف بلا فصل على معمول فعل مستقر أولا
وقال بعض العلماء: إن قوله ﴿وَالْأَنْعَامَ﴾ معطوف على ﴿الْإِنْسَانَ﴾ من قوله ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ [١٦/٤]، والأول أظهر كما ترى.
وأظهر أوجه الإعراب في قوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ [١٦/٥]، أن قوله: ﴿دِفْءٌ﴾ مبتدأ خبره ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾، وسوغ الابتداء بالنكرة اعتمادها على الجار والمجرور قبلها وهو الخبر كما هو معروف، خلافاً لمن زعم أن ﴿دِفْءٌ﴾، فاعل الجار والمجرور الذي هو:


الصفحة التالية
Icon