وأسنده في "السجدة" لملك الموت في قوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [٣٢/١١]، وأسنده في "الزمر" إلى نفسه جل وعلا في قوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا..﴾ الآية [٣٩/٤٢]، وقد بينا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة "السجدة": أنه لا معارضة بين الآيات المذكورة؛ فإسناده التوفي لنفسه، لأنه لا يموت أحد إلا بمشيئته تعالى، كما قال: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾ [٣/١٤٥]، وأسنده لملك الموت؛ لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وأسنده إلى الملائكة؛ لأن لملك الموت أعواناً من الملائكة ينزعون الروح من الجسد إلى الحلقوم فيأخذها ملك الموت، كما قاله بعض العلماء، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه بعث في كل أمة رسولاً بعبادة الله وحده، واجتناب عبادة ما سواه. وهذا هو معنى "لا إله إلا الله"، لأنها مركبة من نفي وإثبات، فنفيها هو خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، وإثباتها هو إفراده جل وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم صلوات الله وسلامه.
وأوضح هذا المعنى كثيراً في القرآن عن طريق العموم والخصوص، فمن النصوص الدالة عليه مع عمومها قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [٢١/٢٥]، وقوله: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [٤٣/٤٥]، ونحو ذلك من الآيات.
ومن النصوص الدالة عليه مع الخصوص في أفراد الأنبياء وأممهم قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [٧/٥٩]، وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [٧/٦٥]، وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [٧/٧٣]، وقوله: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [٧/٨٥]، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن كل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت، ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه؛ كما بينه تعالى بقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ


الصفحة التالية
Icon