اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [٢/٢٥٦]، وقوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [١٢/١٠٦]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الأمم التي بعث فيها الرسل بالتوحيد منهم سعيد، ومنهم شقي؛ فالسعيد منهم يهديه الله إلى اتباع ما جاءت به الرسل، والشقي منهم يسبق عليه الكتاب فيكذب الرسل، ويكفر بما جاؤوا به، فالدعوة إلى دين الحق عامة، والتوفيق للهدى خاص؛ كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [١٠/٢٥]، فقوله: ﴿فَمِنْهُمْ﴾ [١٦/٣٦]، أي: من الأمم المذكورة في قوله: ﴿فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً﴾، وقوله: ﴿مَنْ هَدَى اللَّهُ﴾، أي: وفقه لاتباع ما جاءت به الرسل، والضمير المنصوب الذي هو رابط الصلة بالموصول محذوف؛ أي: فمنهم من هداه الله، على حد قوله في الخلاصة:

والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب
بفعل أو صف كمن نرجو يهب
وقوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ...﴾ [١٦/٣٦]، أي: وجبت عليه ولزمته، لما سبق في علم الله من أنه يصير إلى الشقاوة. والمراد بالضلالة: الذهاب عن طريق الإسلام إلى الكفر.
وقد بين تعالى هذا المعنى في آيات أخر؛ كقوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [٦٤/٢]، وقوله: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [١١/١٠٥]، وقوله: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [٤٢/٧]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية: أن حرص النَّبي ﷺ على إسلام قومه لا يهدي من سبق في علم الله أنه شقي.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أُخر؛ كقوله: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [٢٨/٥٦]، وقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [٥/٤١]، وقوله: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾


الصفحة التالية
Icon