السَّمَاءِ...} الآية [٦٧/١٦، ١٧]، وقوله: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً﴾ [١٧/٦٨]، وقوله: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [٧/٩٩] وقد قدمنا طرفاً من هذه في أول "سورة الأعراف".
واختلف العلماء في إعراب ﴿السَّيِّئَاتِ﴾ [١٦/٤٥]، في هذه الآية الكريمة؛ فقال بعض العلماء: نعت لمصدر محذوف؛ أي: مكروا المكرات السيئات، أي: القبيحات قبحاً شديداً؛ كما ذكر الله عنهم في قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ الآية[٨/٣٠]، وقال بعض العلماء: مفعول به لـ ﴿مَكَرُوا﴾ على تضمين ﴿مَكَرُوا﴾، معنى فعلوا. وهذا أقرب أوجه الإعراب عندي. وقيل: مفعول به لـ ﴿َأََمِنَ﴾ أي: أأمن الماكرون السيئات، أي: العقوبات الشديدة التي تسوءهم عند نزولها بهم. ذكر الوجه الأول الزمخشري، والأخيرين ابن عطية، وذكر الجميع أبو حيان في البحر المحيط.
تنبيه
كل ما جاء في القرآن من همزة استفهام بعدها واو العطف أوفاؤه؛ كقوله: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً﴾ [٤٣/٥]، ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [٣٤/٩]، ﴿أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [٤٥/٣١]، الخ، وفيه وجهان معروفان عند علماء العربية، أحدهما: أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل المقام عليه؛ كقولك مثلاً: أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحاً؟! أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم؟! ألم تأتكم آياتي فلم تكن تتلى عليكم؟! وهكذا ـ وإلى هذا الوجه أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله:

وحذف متبوع بدا هنا استبح وعَطفك الفعل عَلى الفعل يصح
ومحل الشّاهد في الشطر الأول دون الثاني.
الوجه الثاني: أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة للجملة المصدرة بهمزة الاستفهام على ما قبلها؛ إلا أن همزة الاستفهام تزحلقت عن محلها فتقدمت على الفاء والواو؛ وهي متأخرة عنهما في المعنى، وإنما تقدمت لفظاً عن محلها معنى؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام.


الصفحة التالية
Icon