فبهذا تعلم: أن في قوله تعالى في هذه الآية التي هي قوله: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ..﴾ الآية [١٦/٤٥]، الوجهين المذكورين؛ فعلى الأول فالمعنى أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله بالعقاب؟ أفأمن الذين مكروا السيئات، الخ. وعلى الثاني ـ فالمعنى فأأمن الذين مكروا السيئات؛ فالفاء عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام، والأول هو الأظهر، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ الآية، تقدم بيان هذه الآية وأمثالها من الآيات في "سورة الرعد".
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾، نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلهاً آخر معه، وأخبرهم أن المعبود المستحق لأن يعبد وحده واحد، ثم أمرهم أن يرهبوه، أي: يخافوه وحده؛ لأنه هو الذي بيده الضر والنفع، لا نافع ولا ضار سواه.
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة؛ كقوله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [٥١/٥٠-٥١]، وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ [٥٠/٢٦]، وقوله: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً﴾ [١٧/٢٢]، وقوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً﴾ [١٧/٣٩].
وبين جل وعلا في مواضع أُخر: استحالة تعدد الآلهة عقلاً؛ كقوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [٢١/٢٢]، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [٢٣/٩١-٩٢]، وقوله: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً﴾ [١٧/٤٢]، والآيات بعبادته وحده كثيرة جداً، فلا نطيل بها الكلام. وقدم المفعول في قوله: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ للدلالة على الحصر. وقد تقرر في الأصول في مبحث مفهوم المخالفة، وفي المعاني في مبحث القصر، أن تقديم المعمول من صيغ الحصر، أي: خافون وحدي ولا تخافوا سواي، وهذا الحصر المشار إليه هنا بتقديم المعمول بينه جل وعلا في مواضع أُخر؛ كقوله: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ...﴾ الآية [٥/٤٤]، وقوله: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾


الصفحة التالية
Icon