الآية [٣٣/٣٩]، وقوله: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ الآية [٩/١٨]، وقوله: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [٣/١٧٥]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً﴾، الدين هنا: الطاعة؛ ومنه سميت أوامر الله ونواهيه ديناً؛ كقوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ﴾ [٣/١٩]، وقوله: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِِسْلامَ دِيناً﴾ [٥/٣]، وقوله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [٣/٨٥].
والمراد بالدين في الآيات: طاعة الله بامتثال جميع الأوامر، واجتناب جميع النواهي. ومن الدين بمعنى الطاعة: قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
وأياماً لنا غراً كراما | عصينا الملك فيها أن ندينا |
وهذا المعنى الذي أشار إليه مفهوم الآية بينه جل وعلا في مواضع أُخر؛ كقوله: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ [٣/٢٦]، وقوله تعالى: ﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ﴾ [٥٦/٣]؛ لأنها ترفع أقواماً كانت منزلتهم منخفضة في الدنيا، وتخفض أقواماً كانوا ملوكاً في الدنيا، لهم المكانة الرفيعة، وقوله: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [٤٠/١٦].
ونظير هذه الآية المذكورة قوله: ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ [٣٧/٨-٩، أي: دائم. وقيل: عذاب موجع ومؤلم، والعرب تطلق الوصب على المرض، وتطلق الوصوب على الدوام. وروي عن ابن عباس أنه لما سأله نافع بن الأزرق عن قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً﴾ [١٦/٥٢]، قال له: الوصب الدائم، واستشهد له بقول أمية بن أبي الصلت الثقفي: