جعلهم الإناث لله، أو الذكور لأنفسهم قسمة غير عادلة، وأنها من أعظم الباطل.
وبين أنه لو كان متخذاً ولداً سبحانه وتعالى عن ذلك! لاصطفى أحسن النصيبين، ووبخهم على أن جعلوا له أخس الولدين، وبين كذبهم في ذلك، وشدة عظم ما نسبوه إليه. كل هذا ذكره في مواضع متعددة؛ كقوله: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [٥٣/٢١]، وقوله: ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [٣٧/١٥١-١٥٤]، وقوله: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً﴾ [١٧/٤٠]، وقوله: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ [٤٣/١٦]، وقوله: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [٣٩/٤]، وقوله: ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ﴾ [٥٢/٣٩]، وقال جل وعلا: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ [١٦/٦٢]، وقال: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [٤٣/١٨]، وقال: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [٤٣/١٧].
وبين شدة عظم هذا الافتراء، بقوله: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾ [١٩/٨٨-٩٣]، وقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً﴾ [١٧/٤٠]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية: ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [١٦/٥٧]، مبتدأ وخبر. وذكر الزمخشري والفراء وغيرهما: أنه يجوز أن تكون ﴿مَا﴾ [١٦/٥٩]، في محل نص عطفاً على ﴿الْبَنَاتِ﴾ [١٦/٥٧]، أي: ويجعلون لله البنات، ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون. ورد إعرابه بالنصب الزجاج، وقال: العرب تستعمل في مثل هذا ويجعلون لأنفسهم؛ قاله القرطبي. وقال أبو حيان في البحر المحيط: قال الزمخشري: ويجوز في ﴿مَا﴾ في ﴿مَا يَشْتَهُونَ﴾ الرفع على الابتداء، والنصب على أن يكون معطوفاً على ﴿الْبَنَاتِ﴾، أي: وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور، انتهى. وهذا الذي أجازه من النصب تبع فيه الفراء والحوفي. وقال أبو البقاء وقد حكاه: وفيه نظر. وذهل هؤلاء عن قاعدة في النحو،


الصفحة التالية
Icon