وهي: أن الفعل الرافع لضمير الاسم المتصل لا يتعدى إلى ضميره المتصل المنصوب؛ فلا يجوز: زيد ضربه، أي زيداً، تريد ضرب نفسه؛ إلا في باب ظن وأخواتها من الأفعال القلبية، أو فقد وعدم؛ فيجوز: زيد ظنه قائماً، وزيد فقده، وزيد عدمه. والضمير المجرور بالحرف كالمنصوب المتصل؛ فلا يجوز: زيد غضب عليه، تريد غضب على نفسه. فعلى هذا الذي تقرر لا يجوز النصب؛ إذ يكون التقدير: ويجعلون لهم ما يشتهون. فالواو ضمير مرفوع: ﴿وَلَهُمْ﴾ [١٦/٥٧]، مجرور باللام. فهو نظير: زيد غضب عليه اهـ. والبشارة تطلق في العربية على الخبر مما يسر، وبما يسوء. ومن إطلاقها على الخبر بما يسوء قوله هنا: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى﴾ الآية [١٦/٥٨]، ونظيره قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [٣/٢١]، ونحو ذلك من الآيات.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من بغضهم للبنات مشهور معروف في أشعارهم؛ ولما خطبت إلى عقيل بن علفة المري ابنته الجرباء قال:

أني وإن سيق إلى المهر ألف وعبدان وذود عشر
أحب أصهاري إلى القبر
ويروى لعبد الله بن طاهر قوله:
لكل أبي بنت يراعى شؤونها ثلاثة أصهار إذا حمد الصهر
فبعل يراعيها وخدر يكنها وقبر يواريها وخيرهم القبر
وهم يزعمون أن موجب رغبتهم في موتهن، وشدة كراهيتهم لولادتهن: الخوف من العار، وتزوج غير الأكفاء، وأن تهان بناتهم بعد موتهم؛ كما قال الشاعر في ابنة له تسمى مودة:
مودة تهوى عمر شيخ يسره لها الموت قبل الليل لو أنها تدري
يخاف عليها جفوة الناس بعده ولا ختن يرجى أود من القبر
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة، ورب السماوات والأرض لا يفوته شيء أراده. وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله في آخر "سورة فاطر": {وَلَوْ يُؤَاخِذُ


الصفحة التالية
Icon