نسيه وتركه غير ملتفت إليه؛ فقوله: ﴿مُّفْرَطُونَ﴾، أي: متروكون منسيون في النار. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [٧/٥١]، وقوله: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ...﴾ الآية [٣٢/١٤]، وقوله: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ [٤٥/٣٤]، فالنسيان في هذه الآيات معناه: الترك في النار. أما النسيان بمعنى زوال العلم: فهو مستحيل على الله؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ [١٩/٦٤]، وقال: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾ [٢٠/٥٢].
وممن قال بأن معنى: ﴿مُّفْرَطُونَ﴾، منسيون متركون في النار: مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن الأعرابي، وأبو عبيدة، والفراء، وغيرهم.
وقال بعض العلماء: معنى قوله: ﴿مُّفْرَطُونَ﴾، على قراءة الجمهور، أي: مقدمون إلى النار معجلون؛ من أفرطت فلاناً وفرطته في طلب الماء، إذا قدمته، ومنه حديث: "أنا فرطكم على الحوض"، أي: متقدمكم. ومنه قول القطامي:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا | كما تقدم فراط لوراد |
هممت وهمت فابتدرنا وأسبلت | وشمر مني فارط متمهل |
وقوله: ﴿لاَ جَرَمَ﴾، أي: حقاً أن لهم النار. وقال القرطبي في تفسيره: لا رد لكلامهم وتم الكلام، أي: ليس كما تزعمون! جرم أن لهم النار! حقاً أن لهم النار! وقال بعض العلماء: ﴿لاَ﴾ صلة، و ﴿جَرَمَ﴾ بمعنى كسب؛ أي: كسب لهم عملهم أن لهم النار.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾، بين جل وعلا في هذه الآية