بجامع أن كلاً منهما مائع يتخلق منه حيوان حي طاهر، والبيض طاهر إجماعا؛ فيلزم كون المني طاهراً أيضاً.
قال مقيده عفا الله عنه: هذا النوع من القياس هو المعروف بالقياس الصوري، وجمهور العلماء لا يقبلونه، ولم يشتهر بالقول به إلا إسماعيل ابن علية؛ كما أشار له في مراقي السعود بقوله:

وابن علية يرى للصوري كالقيس للخيل على الحمير
وصور القياس الصوري المختلف فيها كثيرة؛ كقياس الخيل على الحمير في سقوط الزكاة، وحرمة الأكل للشبه الصوري. وكقياس المني على البيض لتولد الحيوان الطاهر من كل منهما في طهارته. وكقياس أحد التشهدين على الآخر في الوجوب أو الندب لتشابههما في الصورة. وكقياس الجلسة الأولى على الثانية في الوجوب لتشبهها بها في الصورة. وكإلحاق الهرة الوحشية بالإنسية في التحريم. وكإلحاق خنزير البحر وكلبه بخنزير البر وكلبه، إلى غير ذلك من صوره الكثيرة المعروفة في الأصول. واستدل من قال بالقياس الصوري: بأن النصوص دلت على اعتبار المشابهة في الصورة في الأحكام؛ كقوله: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [٥/٩٥]، والمراد المشابهة في الصورة على قول الجمهور. وكبدل القرض فإنه يرد مثله في الصورة. وقد استسلف ﷺ بكراً ورد رباعياً كما هو ثابت في الصحيح. وكسروه ﷺ بقول القائف المدلجي في زيد بن حارثة وابنه أسامة: "هذه الأقدام بعضها من بعض"؛ لأن القيافة قياس صوري؛ لأن اعتماد القائف على المشابهة في الصورة.
الوجه الثاني من وجهي القياس المذكور: إلحاق المني بالطين، بجامع أن كلاً منهما مبتدأ خلق بشر؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾ الآية [٢٣/١٢-١٣].
فإن قيل: هذا القياس يلزمه طهارة العلقة، وهي الدم الجامد؛ لأنها أيضاً مبتدأ خلق بشر، لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ [٢٣/١٤]، والدم نجس بلا خلاف.
فالجواب: أن قياس الدم على الطين في الطهارة فاسد الاعتبار، لوجود النص بنجاسة الدم. أما قياس المني على الطين فليس بفاسد الاعتبار، لعدم ورود النص بنجاسة المني.


الصفحة التالية
Icon