بني آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم، يفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجاً تباينهم كمباينة الإنس للجن، وهو ظاهر. ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [٣٠/٢١]، فقوله: ﴿أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾، في معرض الامتنان، يدل على أنه ما خلق لهم أزواجاً من غير أنفسهم؛ ويؤيد ذلك ما تقرر في الأصول من أن النكرة في سياق الامتنان تعم، فقوله: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾ [١٦/٧٢]، جمع منكر في سياق الامتنان فهو يعم، وإذا عم دل ذلك على حصر الأزواج المخلوقة لنا فيما هو من أنفسنا، أي: من نوعنا وشكلنا. مع أن قوماً من أهل الأصول زعموا أن الجموع المنكرة في سياق الإثبات من صيغ العموم، والتحقيق أنها في سياق الإثبات لا تعم، وعليه درج في مراقي السعود حيث قال في تعداده للمسائل التي عدم العموم فيها أصح:
منه منكر الجموع عرفا | وكان والذي عليه انعطفا |
وقد دلت الآيات المتقدمة على أن ما خلق لهم من أزواجهم، هو الكائن من أنفسهم؛ أي: من نوعهم وشكلهم؛ كقوله: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾، وقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً...﴾ الآية [٣٠/٢١]، فيفيد أنه لم يجعل لهم أزواجاً من غير أنفسهم، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا