يَسْتَطِيعُونَ}، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات بإنزال المطر، ولا من الأرض بإنبات النبات، وأكد عجز معبوداتهم عن ذلك بأنهم لا يستطيعون، أي: لا يملكون أن يرزقوا، والاستطاعة منفية عنهم أصلاً؛ لأنهم جماد ليس فيه قابلية استطاعة شيء.
ويفهم من الآية الكريمة: أنه لا يصح أن يعبد إلا من يرزق الخلق؛ لأن أكلهم رزقه، وعبادتهم غيره كفر ظاهر لكل عاقل. وهذا المعنى المفهوم من هذه الآية الكريمة بينه جل وعلا في مواضع أُخر، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٢٩/١٧]، وقوله: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ [٦٧/٢١]، وقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [٥١/٥٦-٥٨]، وقوله: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ﴾ وقوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [٢٠/١٣٢]، وقوله: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...﴾ الآية [٣٥/٣]، وقوله: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...﴾ الآية [١٠/٣١]، إلى غير ذلك من الآيات.
تنبيه
في قوله ﴿شَيْئاً﴾ [١٦/٧٣]، في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه من الإعراب:
الأول: أن قوله: ﴿رِزْقاً﴾ مصدر، وأن ﴿شَيْئاً﴾، مفعول به لهذا المصدر؛ أي: ويعبدون من دون الله ما لا يملك أن يرزقهم شيئاً من الرزق. ونظير هذا الإعراب قوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً...﴾ الآية [٩٠/١٤-١٥]، فقوله: ﴿يَتِيماً﴾ مفعول به للمصدر الذي هو إطعام؛ أي: أن يطعم يتيماً ذا مقربة. ونظيره من كلام العرب قول المرار بن منقذ التميمي:

بضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل
فقوله: "رؤوس قوم" مفعول به للمصدر المنكر الذي هو قوله "بضرب"، وإلى هذا أشار في الخلاصة بقوله:


الصفحة التالية
Icon