هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [٦٧/٢٣]، إلى غير ذلك من الآيات.
تنبيه
لم يأت السمع في القرآن مجموعاً، وإنما يأتي فيه بصيغة الإفراد دائماً، مع أنه يجمع ما يذكر معه كالأفئدة والأبصار.
وأظهر الأقوال في نكتة إفراده دائماً: أن أصله مصدر سمع سمعاً، والمصدر إذا جعل اسماً ذكر وأفرد؛ كما قال في الخلاصة:
ونعتوا بمصدر كثيرا... فالتزموا الإفراد والتذكيرا
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن تسخيره الطير في جو السماء ما يمسكها إلا هو، من آياته الدالة على قدرته، واستحقاقه لأن يعبد وحده. وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ [٦٧/١٩].
تنبيه
لم يذكر علماء العربية الفعل - بفتح فسكون - من صيغ جموع التكسير.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية: أن الفعل- بفتح فسكون- جمع تكسير لفاعل وصفاً لكثرة وروده في اللغة جمعاً له؛ كقوله هنا: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ﴾ [١٦/٧٩] فالطير جمع طائر، وكالصحب فإنه جمع صاحب؛ قال امرؤ القيس:
وقوفاً بها صحبي على مطيهم... يقولون لا تهلك أسى وتجمل
فقوله: "صحبي"، أي: أصحابي. وكالركب فإنه جمع راكب؛ قال تعالى: ﴿وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ [٨/٤٢]، وقال ذو الرمة:
أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا... أم راجع القلب من أطرابه طرب
فالركب جمع راكب. وقد رد عليه ضمير الجماعة في قوله: "عن أشياعهم"،


الصفحة التالية
Icon