شركاءهم في العذاب، كما قال تعالى: ﴿رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ﴾ [٧/٣٨]، وقد نص تعالى على أنهم وما يعبدونه من دون الله في النار جميعاً في قوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ...﴾ الآية [٢١/٩٨]، وأخرج من ذلك الملائكة وعيسى وعزيراً بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ...﴾ الآية [٢١/١٠١]؛ لأنهم ما عبدوهم برضاهم، بل لو أطاعوهم لأخلصوا العبادة لله وحده جلَّ وعلا.
قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾، إلقاؤهم إلى الله السلم: هو انقيادهم له، وخضوعهم؛ حيث لا ينفعهم ذلك كما تقدم في قوله: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [١٦/٢٨]، والآيات الدالة على ذلك كثيرة؛ كقوله: ﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ [٣٧/٢٦]، وقوله: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [٢٠/١١١]، ونحو ذلك من الآيات، وقد قدمنا طرفاً من ذلك في الكلام على قوله: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [١٦/٢٨].
وقوله: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [١٦/٨٧]، أي: غاب عنهم واضحمل ما كانوا يفترونه: من أن شركاءهم تشفع لهم وتقربهم إلى الله زلفى؛ كما قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ....﴾ الآية [١٠/١٨]، وكقوله: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾. وضلال ذلك عنهم مذكور في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [١٠/٣٠]، وقوله: ﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [٢٨/٧٥]، وقد قدمنا معاني الضلال في القرآن وفي اللغة بشواهدها.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾، اعلم أولاً أن "صد" تستعمل في اللغة العربية استعمالين، أحدهما: أن تستعمل متعدية إلى المفعول، كقوله تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...﴾ الآية [٤٨/٢٥]، ومضارع هذه المتعدية "يصد" بالضم على القياس، ومصدرها "الصد" على القياس أيضاً. والثاني: أن تستعمل "صد" لازمة غير متعدية إلى المفعول، ومصدر هذه "الصدود" على القياس، وفي مضارعها الكسر على القياس، والضم على السماع؛ وعليهما القراءتان السبعيتان في قوله: ﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾


الصفحة التالية
Icon