منه، فمن السنة التي هي شارحة الكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم، وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [٧/١٩٩].
وأخذ قوم مما في آيات المواريث من ذكر السهام وأربابها، وغير ذلك "علم الفرائض"، واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث، والربع والسدس والثمن "حساب الفرائض"، ومسائل العول؛ واستخرجوا منه أحكام الوصايا.
ونظر قوم إلى ما فيه الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار، والشمس والقمر ومنازله، والنجوم والبروج، وغير ذلك؛ فاستخرجوا "علم المواقيت".
ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم، وحسن السياق والمبادىء، والمقاطيع والمخالص والتلوين في الخطاب، والإطناب والإيجاز، وغير ذلك؛ فاستنبطوا منه "علم المعاني والبيان والبديع".
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة؛ فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق، جعلوا لها أعلاماً اصطلحوا عليها، مثل الغناء والبقاء، والحضور والخوف والهيبة، والأنس والوحشة، والقبض والبسط، وما أشبه ذلك.
هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه.
وقد احتوى على علوم أُخر من علوم الأوائل، مثل: الطب والجدل والهيئة، والهندسة والجبر، والمقابلة والنجامة، وغير ذلك.
أما الطب: فمداره على حفظ نظام الصحة، واستحكام القوة؛ وذلك إنما يكون باعتدال المزاج تبعاً للكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ [٢٥/٦٧].
وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله: ﴿شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [١٦/٦٩].
ثم زاد على طب الأجساد بطب القلوب، وشفاء الصدور.
وأما الهيئة: ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها من ملكوت السموات والأرض، وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات.


الصفحة التالية
Icon