يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}- إلى قوله - ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ...﴾ الآية [١٦/٩٠]، وكقوله في "سورة البقرة"، بعد أن ذكر أحكام الطلاق والرجعة: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [٢/٢٣٢]، وقوله في "الطلاق" في نحو ذلك أيضاً: ﴿يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [٦٥/٢]، وقوله في النهي عن مثل قذف عائشة: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً...﴾ الآية [٢٤/١٧]، مع أن المعروف عند الناس: أن الوعظ يكون بالترغيب والترهيب ونحو ذلك، لا بالأمر والنهي.
فالجواب: أن ضابط الوعظ: هو الكلام الذي تلين له القلوب، وأعظم ما تلين له قلوب العقلاء أوامر ربهم ونواهيه؛ فإنهم إذا سمعوا الأمر خافوا من سخط الله في عدم امتثاله، وطمعوا فيما عند الله من الثواب في امتثاله، وإذا سمعوا النهي خافوا من سخط الله في عدم اجتنابه، وطمعوا فيما عنده من الثواب في اجتنابه؛ فحداهم حادي الخوف والطمع إلى الامتثال، فلانت قلوبهم للطاعة خوفاً وطمعاً، والفحشاء في لغة العرب: الخصلة المتناهية في القبح؛ ومنه قيل لشديد البخل: فاحش؛ كما في قول طرفة في معلقته:

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
والمنكر اسم مفعول أنكر؛ وهو في الشرع: ما أنكره الشرع ونهى عنه، وأوعد فاعله العقاب، والبعي: الظلم.
وقد بين تعالى أن الباغي يرجع ضرر بغيه على نفسه، في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [١٠/٢٣]، وقوله: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه﴾ [٣٥/٤٣].
وقوله: ﴿ذِي الْقُرْبَى﴾ [١٦/٩٠]، أي: صاحب القرابة من جهة الأب أو الأم، أو هما معاً؛ لأن إيتاء ذي القربى صدقة وصلة رحم. والإيتاء: الإعطاء. وأحد المفعولين محذوف؛ لأن المصدر أضيف إلى المفعول الأول وحذف الثاني، والأصل: وإيتاء صاحب القرابة؛ كقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى...﴾ الآية [٢/١٧٧].
قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾، أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عباده أن يوفوا بعهد الله إذا عاهدوا، وظاهر الآية أنه شامل لجميع العهود فيما بين العبد وربه، وفيما بينه وبين الناس، وكرر هذا في مواضع أُخر؛ كقوله في "الأنعام": {وَبِعَهْدِ


الصفحة التالية
Icon