عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ...} الآية[١٦/١٠٠]، وقوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [١٥/٤٢]، فالاستثناء يدل على أن له سلطاناً على من اتبعه من الغاوين؛ مع أنه نفى عنه السلطان عليهم في آيات أُخر؛ كقوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ...﴾ الآية [٣٤/٢٠-٢١].
وقوله تعالى حاكياً عنه مقرراً له: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [١١٤/٢٢].
فالجواب هو: أن السلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه، وذلك من وجهين:
الأول: أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزيينه، والسلطان المنفي هو سلطان الحجة؛ فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها، غير أَنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان، وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن.
الثاني: أن الله لم يجعل له عليهم سلطاناً ابتداء البتة، ولكنهم هم الذين سلَّطوه على أنفسهم بطاعاته ودخولهم في حزبه، فلم يتسلط عليهم بقوة؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ [٤/٧٦]، وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم.
ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم، وقد بينا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه إذا بدل آية مكان آية، بأن نسخ آية أو أنساها، وأتى بخير منها أو مثلها ـ أن الكفار يجعلون ذلك سبباً للطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بادعاء أنه كاذب على الله، مفتر عليه. زعماً منهم أن نسخ الآية بالآية يلزمه البداء، وهو الرأي المجدد، وأن ذلك مستحيل على الله، فيفهم عندهم من ذلك أن النَّبي ﷺ مفتر على الله، زاعمين أنه لو كان من الله لأقره وأثبته، ولم يطرأ له فيه رأي متجدد حتى ينسخه.
والدليل على أن قوله: ﴿بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ [١٦/١٠١]، معناه: نسخنا آية وأنسيناها، قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ [٢/١٠٦]، وقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا


الصفحة التالية
Icon