اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [٦/١٤٥]الآية يدل بدلالة المطابقة دلالة صريحة على إباحة لحوم الحمر الأهلية؛ لصراحة الحصر بالنفي والإثبات في الآية في ذلك. فإذا صرح النَّبي ﷺ بعد ذلك يوم خيبر في حديث صحيح "بأن لحوم الحمر الأهلية غير مباحة"، فلا معارضة البتة بين ذلك الحديث الصحيح وبيت تلك الآية النازلة قبله بسنين؛ لأن الحديث دل على تحريم جديد، والآية ما نفت تجدد شيء في المستقبل، كما هو واضح.
فالتحقيق إن شاء الله: هو جواز نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه، وإن خالف فيه جمهور الأصوليين، ودرج على خلافه وفاقا للجمهور صاحب المراقي بقوله:

والنسخ بالآحاد للكتاب ليس بواقع على الصواب
ومن هنا تعلم: أنه لا دليل على بطلان قول من قال: إن الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بحديث: "لا وصية لوارث"، والعلم عند الله تعالى.
المسألة السابعة: اعلم أن التحقيق هو جواز النسخ قبل التمكن من الفعل، فإن قيل: ما الفائدة في تشريع الحكم أولاً إذا كان سينسخ قبل التمكن من فعله؟
فالجواب: أن الحكمة ابتلاء المكلفين بالعزم على الامتثال، ويوضح هذا: أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ولده، وقد نسخ عنه هذا الحكم بفدائه بذبح عظيم قبل أن يتمكن من الفعل، وبين أن الحكمة في ذلك: الابتلاء بقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [٣٧/١٠٦، ١٠٧] ومن أمثلة النسخ قبل التمكن من الفعل: نسخ خمس وأربعين صلاة ليلة الإسراء، بعد أن فرضت الصلاة خمسين صلاة، كما هو معروف. وقد أشار إلى هذه المسألة في مراقي السعود بقوله:
والنسخ من قبل وقوع الفعل جاء وقوعاً في صحيح النقل
المسألة الثامنة: اعلم أن التحقيق: أنه ما كل زيادة على النص تكون نسخاً، وإن خالف في ذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله، بل الزيادة على النص قسمان:
قسم مخالف النص المذكور قبله، وهذه الزيادة تكون نسخاً على التحقيق؛ كزيادة تحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع مثلاً، على المحرمات الأربعة المذكورة في آية: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ...﴾ الآية [٦/١٤٥]؛ لأن الحمر الأهلية ونحوها لم يسكت عن حكمه في الآية، بل مقتضى الحصر بالنفي والإثبات


الصفحة التالية
Icon