في قوله: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً...﴾ "الآية، صريح في إباحة الحمر الأهلية وما ذكر معها؛ فكون زيادة تحريمها نسخاً أمر ظاهر.
وقسم لا تكون الزيادة فيه مخالفة للنص، بل تكون زيادة شيء سكت عنه النص الأول، وهذا لا يكون نسخاً، بل بيان حكم شيء كان مسكوتاً عنه كتغريب الزاني البكر، وكالحكم بالشاهد، واليمين في الأموال. فإن القرآن في الأول أوجب الجلد وسكت عما سواه، فزاد النَّبي حكماً كان مسكوتاً عنه، وهو التغريب. كما أن القرآن في الثاني فيه: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ...﴾ الآية [٢/٢٨٢]، وسكت عن حكم الشاهد واليمين، فزاد النَّبي ﷺ حكماً كان مسكوتاً عنه؛ وإلى هذا أشار في مراقي السعود بقوله:

وليس نسخاً كل ما أفادا فيما رسا بالنص إلا زديادا
وقد قدمنا في "الأنعام"، في الكلام على قوله: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً...﴾ الآية [٦/١٤٥].
قوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ الآية، أمر الله جل وعلا نبيه ﷺ في هذه الآية الكريمة: أن يقول إن هذا القرآن الذي زعموا أنه افتراء بسبب تبديل الله آية مكان آية، أنه نزله عليه روح القدس من ربه جل وعلا؛ فليس مفترياً له. وروح القدس: جبريل، ومعناه الروح المقدس؛ أي: الطاهر من كل ما لا يليق.
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ...﴾ الآية [٢/٩٧]، وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [٢٦/١٩٢-١٩٥]، وقوله: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [٢٠/١١٤]، وقوله: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [٧٥/١٦-١٨]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾، أقسم جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يعلم أن الكفار يقولون: إن هذا القرآن الذي جاء به النَّبي ﷺ ليس وحياً من الله، وإنما تعلمه من بشر من الناس.
وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [٢٥/٥]، وقوله: ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [٧٤/٢٤]،


الصفحة التالية
Icon