أي: يرويه محمد ﷺ عن غيره، وقوله: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ...﴾ الآية [٦/١٠٥]، كما تقدم في "الأنعام".
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا البشر الذي زعموا أنه يعلم النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح القرآن بأنه أعجمي اللسان؛ فقيل: هو غلام الفاكه بن المغيرة، واسمه جبر، وكان نصرانياً فأسلم. وقيل: اسمه يعيش عبد لبني الحضرمي، وكان يقرأ الكتب الأعجمية. وقيل: غلام لبني عامر بن لؤي. وقيل: هما غلامان: اسم أحدهما يسار، واسم الآخر جبر، وكانا صيقليين يعملان السيوف، وكانا يقرآن كتاباً لهم. وقيل: كانا يقرآن التوراة والإنجيل، إلى غير ذلك من الأقوال.
وقد بين جل وعلا كذبهم وتعنتهم في قولهم: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [١٦/١٠٣]، بقوله: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [١٦/١٠٣]، أي: كيف يكون تعلمه من ذلك البشر، مع أن ذلك البشر أعجمي اللسان، وهذا القرآن عربي مبين فصيح، لا شائبة فيه من العجمة؛ فهذا غير معقول.
وبين شدة تعنتهم أيضاً بأنه لو جعل القرآن أعجمياً لكذبوه أيضاً، وقالوا: كيف يكون هذا القرآن أعجمياً مع أن الرسول الذي أنزل عليه عربي؛ وذلك في قوله ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [٤١/٤٤]، أي: أقرآن أعجمي، ورسول عربي، فكيف ينكرون أن القرآن أعجمي والرسول عربي، ولا ينكرون أن المعلم المزعوم أعجمي، مع أن القرآن المزعوم تعليمه له عربي.
كما بين تعنتهم أيضاً بأنه لو نزل هذا القرآن العربي المبين، على أعجمي فقرأه عليهم عربيًّا لكذبوه أيضاً، مع ذلك الخارق للعادة؛ لشدة عنادهم وتعنتهم، وذلك في قوله: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [٢٦/١٩٨-١٩٩].
وقوله في هذه الآية الكريمة: ﴿يُلْحِدُونَ﴾ [١٦/١٠٣]، أي: يميلون عن الحق. والمعنى لسان البشر الذي يلحدون، أي: يميلون قولهم عن الصدق والاستقامة إليه؛ أعجمي غير بين، وهذا القرآن لسان عربي مبين، أي: ذو بيان وفصاحة. وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائي ﴿يُلْحِدُونَ﴾ بفتح الياء والحاء، من لحد الثلاثي. وقرأه الباقون ﴿يُلْحِدُونَ﴾، وقرأه الباقون ﴿يُلْحِدُونَ﴾ بضم الياء وكسر الحاء من ألحد الرباعي، وهما لغتان، والمعنى واحد. أي:


الصفحة التالية
Icon