تقطعهم وتتجافى عنهم ولا تقربهم. وهذا المعنى معروف من كلام العرب. ومنه قول غيلان ذي الرمة:
نظرت بجرعاء السبية نظره | ضحى وسواد العين في الماء شامس |
إلى ظعن يقرضن أفوازمشرف | شمالاً وعن أيمانهن الفوارس |
فقوله: يقرضن أفواز مشرف أي يقطعنها ويبعدنها ناحية الشمال وعن أيمانهن الفوارس، وهو موضع أو رمال الدهناء. والأقواز: جمع قوز ـ بالفتح ـ وهو العالي من الرمل كأنه جبل. ويروى أجواز مشرف ـ جمع جوز. من المجاز بمعنى الطريق. وهذا الذي ذكرنا هو الصواب في معنى قوله تعالى:
﴿تَقْرِضُهُمْ﴾ خلافاً لمن زعم أن معنى تقرضهم: تقطعهم من ضوئها شيئاً ثم يزول سريعاً كالقرض يسترد. ومراد قائل هذا القول ـ أن الشمس تميل عنهم بالغداة، وتصيبهم بالعشي إصابة خفيفة، بقدر ما يطيب لهم هواء المكان ولا يتعفن. قال أبو حيان في البحر: ولو كان من القرض الذي يعطى ثم يسترد لكان الفعل رباعياً، فتكون التاء من قوله:
﴿تقرضهم﴾ مضمومة، لكن دل فتح التاء من قوله: تقرضهم على أنه من القرض بمعنى القطع، أي تقطع لهم من ضوئها شيئاً، وقد علمت أن الصواب القول الأول. وقد قدمنا أن الفجوة: المتسع.
وقوله تعلى في هذه الآية الكريمة:
﴿تَزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ﴾ فيه ثلاث قراءات سبعيات:
قرأه ابن عامر الشامي تزور بإسكان الزاي وإسقاط الألف وتشديد الراء. على وزن تحمر، وهو على هذه القراءة من الأزورار بمعنى الميل. كقول عنترة المتقدم:
فازور من وقع القنا. البيت
وقرأه الكوفيون وهم عاصم وحمزة والكسائي بالزاي المخففة بعدها ألف. وعلى هذه القراءة فأصله تتزاور فحذفت منه إحدى التاءين. على حد قوله: في الخلاصة:
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر | فيه على تاكتبين العبر |
وقرأه نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري
﴿تزاور﴾ بتشديد الزاي بعدها ألف، وأصله تتزاور أدغمت فيه التاء في الزاي. وعلى هاتين القراءتين: أعني قراءة حذف إحدى التاءين، وقراءة إدغامها في الزاي فهو من التزاور بمعنى الميل أيضاً.