أصحاب الكهف من نومتهم الطويلة ليتساءلوا بينهم، أي ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة لبثهم في الكهف في تلك النومة، وأن بعضهم قال إنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، وبعضهم رد علم ذلك إلى الله جل وعلا.
ولم يبين هنا قدر المدة التي تساءلوا عنها في نفس الأمر، ولكنه بين في موضع آخر أنها ثلاثمائة سنة بحساب السنة الشمسية، وثلاثمائة سنة وتسع سنين بحساب السنة القمرية، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ [١٨/٢٥] كما تقدم. قوله تعالى: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾. في قوله: هذه الآية ﴿أزكى﴾ قولان للعلماء.
أحدهما: أن المراد بكونه أزكى أطيب لكونه حلالاً ليس مما فيه حرام ولا شبهة.
والثاني: أن المراد بكونه أزكى أنه أكثر، كقولهم: زكا الزرع إذا كثر، وكقول الشاعر:

قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب
أي أكثر من ثلاثة.
والقول الأول هو الذي يدل له القرآن: لأن أكل الحلال والعمل الصالح أمر الله المؤمنين كما أمر المرسلين قال: ﴿يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً...﴾ الآية [٢٣/٥١]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [٢/١٧٢]. ويكثر في القرآن إطلاق مادة الزكاة على الطهارة؛ كقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ الآية [١٧/١٤]، وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ الآية [٩١/٩]، وقوله: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾ [٢٤/٢١]، وقوله: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾ [١٨/٨١] وقوله: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ...﴾ الآية [١٨/٧٤]، إلى غير ذلك من الآيات.
فالزكاة في هذه الآيات ونحوها: يراد الطهارة من أدناس الذنوب والمعاصي، فاللائق بحال هؤلاء الفتية الأخيار المتقين أن يكون مطلبهم في مأكلهم ـ الحلبة والطهارة، لا الكثرة. وقد قال بعض العلماء: إن عهدهم بالمدينة فيها مؤمنون يخفون إيمانهم،


الصفحة التالية
Icon