وقوله تعالى: ﴿وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءِ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [٦٨/٨-١٢]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد أمره في موضع آخر بالإعراض عن المتولين عن ذكر الله، والذين لا يريدون غير الحياة الدنيا، وبين له أن ذلك هو مبلغهم من العلم. وذلك في قوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [٥٣/٢٩].
وقوله: في هذه الآية الكريمة: ﴿مَنْ أَغْفَلْنَا﴾ يدل على أن ما يعرض للعبد من غفلة ومعصية، إنما هو بمشيئة الله تعالى. إذ لا يقع شيء البتة كائناً ما كان إلا بمشيئته الكونية القدرية، جل وعلا، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ...﴾ الآية [٧٦/٣٠]، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [٦/١٠٧]، ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [٣٢/١٣]، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ [٦/٣٥]، ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ...﴾ الآية [٢/٧]، ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ [١٧/٤٦] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن كل شيء من خير وشر، لا يقع إلا بمشيئة خالق السموات والأرض. فما يزعمه المعتزلة، ويحاول الزمخشري في تفسيره دائماً، تأويل آيات القرآن على نحو ما يطابقه من استقلال قدرة العبد وإرادته فأفعاله دون مشيئة الله، لا يخفى بطلانه كما تدل عليه الآيات المذكورة آنفاً، وأمثالها في القرآن كثيرة.
ومعنى اتباعه هواه: أنه يتبع ما تميل إليه نفسه الأمارة بالسوء وتهواه من الشر، كالكفر والمعاصي.
وقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، قيل: هو من التفريط الذي هو التقصير، وتقديم العجز بترك الإيمان. وعلى هذا فمعنى ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، أي كانت أعماله سفهاً وضياعاً وتفريطاً. وقيل: من الإفراط الذي هو مجاوزة الحد، كقول الكفار المحتقرين لفقراء المؤمنين: نحن أشراف مضر وساداتها إن اتبعناك اتبعك جميع الناس. وهذا من التكبر والإفراط في القول. وقيل ﴿فرطاً﴾ أي: قدما في الشر... من قولهم: فرط منه أمر، أي سبق. وأظهر الأقوال في معنى الآية الكريمة عندي بحسب اللغة العربية التي نزل بها للقرآن أن معنى قوله: ﴿فرطاً﴾ : أي متقدماً للحق والصواب، نابذاً له وراء