ظهره؛ من قولهم: فرس فرط، أي متقدم للخيل. ومنه قول لبيد في معلقته: ولقد حميت الخيل تحمل شكتي فرط وشاحي إذ غدوت لجامها
وإلى ما ذكرنا في معنى الآية ترجع أقوال المفسرين كلها، كقول قتادة ومجاهد فرطاً أي ضياعاً. وكقول مقاتل بن حيان ﴿فرطاً﴾ أي سرفاً. كقول الفراء ﴿فرطاً﴾ أي متروكاً. وكقول الأخفش ﴿فرطاً﴾ أي مجاوزاً للحد، إلى غير ذلك من الأقوال.
قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ﴾. أمر الله جل وعلا نبيه ﷺ في هذه الآية الكريمة ـ أن يقول للناس: الحق من ربكم. وفي إعرابه وجهان: أحدهما: أن ﴿الحق﴾ مبتدأ، والجار والمجرور خبره، أي الحق الذي جئتكم به في هذا القرآن العظيم، المتضمن لدين الإسلام كائن مبدؤه من ربكم جل وعلا. فليس من وحي الشيطان، ولا من افتراء الكهنة، ولا من أساطير الأولين، ولا غير ذلك. بل هو من خالقكم جل وعلا، الذي تلزمكم طاعته وتوحيده، ولا يأتي من لدنه إلا الحق الشامل للصدق في الأخبار، والعدل في الأحكام، فلا حق إلا منه جل وعلا.
الوجه الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا الذي جئتكم به الحق.
وهذا الذي ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة ـ ذكره أيضاً في مواضع أخر. كقوله: في سورة البقرة: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [٢/١٤٧]، وقوله: في آل عمران: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [٣/٦٠] إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾. ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي ـ التخيير بين الكفر والإيمان ـ ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير، وإنما المراد بها التهديد والتخويف. والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية. والدليل من القرآن العظيم على أن المراد في الآية التهديد والتخويف ـ أنه أتبع ذلك بقوله: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف. إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم. وهذا واضح كما ترى.
وقوله: في هذه الآية الكريمة ﴿أَعْتَدْنَا﴾ [١٨/٢٩]، أصله من الاعتاد، والتاء فيه


الصفحة التالية
Icon