الثاني من وجهين:
الأول: أن الضمير الرابط محذوف، تقديره: لا نضيع أجر من أحسن منهم عملاً: كقولهم:: السمن منوان بدرهم، أي منوان منه بدرهم، كما تقدم في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ [٢/٢٣٤]، أي: يتربصن بعدهم.
الوجه الثاني: أن ﴿مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾، هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وإذا كان الذين آمنوا، ومن أحسن عملاً ينظمها معنى واحد قام ذلك مقام الربط بالضمير. وهذا هو مذهب الأخفش، وهو الصواب. لأن الربط حاصل بالاتحاد في المعنى.
قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ - إلى قوله - ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أجر من أحسن عملاً، فذكر أنه جنات عدن تجري من تحتهم فيها الأنهار، ويحلون فيها أساور الذهب، ويلبسون فيها الثياب الخضر من السندس والاستبرق، في حال كونهم متكئين فيها على الأرائك وهي السرر في الحجال والحجال: جمع حجلة وهو بيت يزين للعروس بجميع أنواع الزينة. ثم أثنى على ثوابهم بقوله: ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾ [١٨/٣١]، وهذا الذي بينه هنا من صفات جزاء المحسنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات ـ جاء مبيناً في مواضع كثيرة جداً من كتاب الله تعالى، كقوله: تعالى في سورة الإنسان: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾ ـ إلى قوله: ـ ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾ [٧٦/٥-٢٢]، وكقوله: في سورة الواقعة، ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ ـ إلى قوله: ـ ﴿لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الآية ٣٨] وأمثال ذلك كثيرة في القرآن:
وقد بين في سورة السجدة أن ما أخفاه الله لهم من قرة أعين لا يعلمه إلا هو جل وعلا، وذلك في قوله: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ...﴾ الآية [٣٢/١٧].
وقوله: في هذه الآية الكريمة. ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ أي إقامة لا رحيل بعدها ولا تحول. كما قال تعالى: ﴿لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ [١٨/١٠٨]، أصله من عدن بالمكان: إذا أقام به. وقد تقدم في سورة النحل معنى السندس والاستبرق بما أغنى عن إعادته هنا، والأساور: جمع سوار. وقال بعضهم: جمع أسورة. والثواب: الجزاء مطلقاً على