التحقيق؛ ومنه قول الشاعر:

لكل أخي مدح ثواب علمته وليس لمدح الباهلي ثواب
وقول من قال: إن الثواب في اللغة يختص بجزاء الخير بالخير ـ غير صواب: بل يطلق الثواب أيضاً على جزاء الشر بالشر. ومنه قوله تعالى: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [٨٣/٣٦]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ...﴾ الآية [٥/٦٠].
وقوله: ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾، الضمير في قوله: ﴿حسنت﴾، راجع إلى ﴿جنات عدن﴾، والمرتفق قد قدمنا أقوال العلماء فيه. وقوله: هنا في الجنة ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾ يبين معناه قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ [٢٥/٧٥-٧٦].
قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً﴾. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن هذا الرجل الكافر الظالم لنفسه، الذي ضربه مثلاً مع الرجل المؤمن في هذه الآيات لرؤساء الكفار، الذين افتخروا بالمال والجاه على ضعفاء المسلمين الفقراء كما تقدم ـ أنه دخل جنته في حال كونه ظالماً لنفسه وقال: إنه ما يظن أن تهلك جنته ولا تفنى: لما رأى من حسنها ونضارتها؟ وقال: إنه لا يظن الساعة قائمة، وإنه إن قدر أنه يبعث ويرد إلى ربه ليجدن عنده خيراً من الجنة التي أعطاه في الدنيا.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة: من جهل الكفار واغترارهم بمتاع الحياة الدنيا، وظنهم أن الآخرة كالدنيا ينعم عليهم فيها أيضاً بالمال والولد، كما أنعم عليهم في الدنيا ـ جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله: في فصلت: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [٤١/٥٠]، وقوله: في مريم: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً﴾ [١٩/٧٧]، وقوله: في سبأ: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [٣٤/٣٥]. وقوله: في هذه السورة الكريمة: ﴿فَقَالَ لَصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ [١٨/٣٤].
وبين جل وعلا كذبهم واغترارهم فيما ادعوه: من أنهم يجدون نعمة الله في الآخرة


الصفحة التالية
Icon